Insignia identificativa de Facebook

Translate

القصة


أغسطس 2003


الحديث عن "نظرية المؤامرة" صار "موضة" منذ فترة، تتلوكها ألسنة وأقلام الكثيرين بين مؤيد ومعارض.
وليثبت ويدافع كل فريق منهما عن معتقده، يشطح ويبالغ أحياناً، فيفقد الرأى توازنه، ولا يلقى إعجاباً إلا من فريقه المؤيد بالطبع.

وصلت شطحات أحد المعارضين لنظرية المؤامرة لحد القول بأن "نظرية المؤامرة هى استغناء مجانى عن العقل وإعاقة للمعرفة" من خلال قصة رائعة، ممتازة، غاية فى البلاغة .. من تأليفه.
لكنها لا تعدو أن تكون قصة .. أى محض خيال، لا أرض تستند عليها.
ولأنى أهوى القصص .. أعرض بدورى قصة أخرى. على الرغم من أنى مؤلفها، إلا أنها حقيقية، مأخوذة من تاريخ الإنسانية. علها توضح للرافضين لنظرية المؤامرة بعض الأمور.

القصة
تبدأ القصة برجل وإمرأة، يعيشان وحيدان فى أرض ما من أراض الله الواسعة.
الرجل والمرأة وحيدان، عراة، لا مأوى لهما، الدنيا كلها ملكهما، والدنيا كلها ضدهما، فهما يحاربان المناخ ويحاربان الجوع ويحاربان كل شئ.
سريعاً ينجبا ذكوراً وإناثاً، وتعمر بهم الأرض التى يعيشون عليها، وما كان يضطر الرجل لصيده للغذاء هو وزوجته، صار لا يكفى .. يحتاج لصيد المزيد لإطعام أطفاله، فيحتاج لبذل المزيد من الجهد، وبالتالى؛ يحتاج هو نفسه لمزيد من الطعام ليعطيه القوة اللازمة.
يتزايد نسله، ويكبر الأطفال، وتعمر بهم الأرض التى يعيشون عليها، وتزداد حاجة الأسرة لصيد أكثر، وملبس أكثر، ومأوى أكبر.
الرجل يكبر سنه، ويقل مجهوده، فيعينه أولاده، فيكتسبوا الخبرة. ويستمر التكاثر فيما بينهم، وتبقى الحاجات الأساسية كما هى، لكن الأرض باتت تضيق بهم جميعاً، فينزح بعض منهم لأرض أخرى، وبعض آخر لأرض أخرى وهكذا.
تمر السنين، والعقود والقرون، وتصبح كل جماعة نازحة شعباً، له أرضه وله موارده من الماء والطعام والملبس والمسكن، وتبدأ الإكتشافات، فيبتكروا الآلات التى تيسر عليهم الصيد والحرث والبناء، وحتى وسائل السفر والاتصال.
صاروا دولاً، وتقدموا علمياً وحضارياً، لكنهم مازالوا يكدون من أجل تلبية حاجاتهم .. البعض منهم، أسعده الحظ، فأنشأ دولته على أرض ثرية خصبة، والبعض الآخر لم يسعده نفس الحظ، فبنى دولته على أرض قفر، ثلجية أو صحراوية. لكن الجميع .. يحتاجون لنفس الصيد ونفس الحرث ونفس المنزل.
تشتد الحياة ببعض ممن قطنوا الأرض القفراء، فيقررون النزوح منها إلى غيرها .. ليستولوا عليها، وينعموا بخيراتها.
لكن فى الأرض الخيرة تلك، هناك من يعمرها وينعم بخيراتها، وطالما ساهم بجزء من تلك الخيرات لأخوته وأبناء عمومته البعيدة ... كلا ... أبناء الأرض الثلجية، لا يكتفوا بما قسم لهم وما ينالوه من الآخرين، لابد وأن يستولوا على كل الأرض، لضمان حاضرهم ومستقبلهم.
ـ وَيحَكُم .. وماذا أنتم فاعلون بمن يعيشوا بالفعل على تلك الأرض؟
ـ فليذهبوا إلى الجحيم .. الغاية تبرر الوسيلة، والبقاء للأقوى.
يشنوا الهجمات السَعِرة، والغارات العنيفة، يفوزون فى جولة ويخسرون فى أخرى، لكنهم أبداً لا يتمكنوا من القضاء على أصحاب الأرض والحلول محلهم .. فماذا يفعلون؟
ـ حسناً .. فلنبحث فى نقاط ضعفهم، ومنها نقضى عليهم، أو على الأقل .. نضمن خيراتهم لنا.
ويبدأون فى التفكير فى نقاط ضعف من إختصموهم. وتوضع الخطط وتبدأ المناورات والحيل للوصول للهدف ..... وينجحون.
يصرخ أحدهم:
ـ وجدتها وجدتها!
ـ ماذا وجدت؟
ـ حل المشكلة، ليس بإحتلالهم، بل بالبقاء فى أراضينا، لكن جعلهم عبيد لنا، نجعلهم يؤمنون بعكس الحقيقة .. بأنهم فى حاجة لنا، وبدوننا لا حياة لهم، ومن هنا .. نحصل على ما نريد، وأكثر مما نريد، ودون عناء يُذكر منا، وننعم بالرفاهية وبكل سُبل الحياة الرغدة، فهُم .. هناك، مُسَخرون من أجلنا.

وعند هذا الحد .. تقف قصتى.

لم يظهر فيها ولا وسط شخوصها لا إسم قائد ولا زعيم ولا دولة ولا إمبراطورية بعينها .. فقط ظهر الإنسان .. أياً كان إسمه، وأياً كان موقعه، بحاجاته وبرغباته، وبصراعه مع الطبيعة، الذى فرض ويفرض عليه .. حتى التآمر إن إضطر له. (وهو ليس بعذر له .. فقط للتفسير).
والواقع .. أن المؤامرة ليست بنظرية وهمية وقطط سوداء تمشى داخل الشمس ولا حمار يطير بجناح فوق الشجر ولا فيل بزلومتين بيعوم بزعانف فى بلاعة الحوض .. مثلما حاولت قصة صاحبنا المعارض للمؤامرة أن يصورها .. إنما المؤامرة حقيقة، واقع، صفة إنسانية، موجودة بداخل كل واحد منا دون إستثناء، تزيد أو تقل من فرد لآخر حسب حاجته، وحسب تربيته وحسب معتقده الدينى وأخلاقه. وتخرج من النطاق الفردى لتشكل طبيعة شعب بشكل إجمالى عام إن دعت الحاجة .. ولا أبلغ من مقارنة الشعب الإنجليزى فى بريطانيا، والذى يرضع المؤامرة من ثدى أمهاته، بشعب الإينكا فى جواتيمالا المسالم تماماً والمُعتدَى عليه والذى يصعب جداً أن نصفه بالمؤامرة أو بالخبث.
(والكلام دائماً بصفة عامة .. أى قابل للإستثناءات)

المؤامرة ليست نظرية .. المؤامرة حقيقة تعيشها وتعانى منها الشعوب الأكثر مسالمةً والأعمق تحضراً، ويُسببها لهم المقابلين لهم، أى الأكثر عنفاً والأسطح تحضراً.

والله أعلم


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق