Insignia identificativa de Facebook

Translate

قصة جيلين

مارس 2009


لو لاحظ الجميع، فغالبية المنزعجين لما يجرى فى مجتمعنا العربى عامةً والمصرى خاصةً فى هذه الفترة، من تغيرات إجتماعية حادة، ومظاهر راديكالية فى كل المجالات .. هم فى غالبيتهم من كبار السن نسبياً. 
بينما المتحمسين لصالح النقيض، ولصالح بعض تلك المظاهر والسلوكيات .. هم فى غالبيتهم من مرحلة عمرية صغيرة نسبياً .. أو من نطلق عليهم لفظ: الشباب.

من هنا، رأيت حاجتنا جميعاً لفهم ظروف نشأة "الكبار"، والجو العام الذى أحاط بهم من طفولتهم وحتى ثلاثة عقود مضت من الزمان .. ليفهم "الشباب" أسباب إمتعاضهم ونقدهم المستمر للأوضاع الحالية.


هؤلاء؛ هم من نشأوا وسط مجتمع متآلف، متوحد بكل أطيافه وقطاعاته، جمعتهم آمال وأهداف واحدة، حزنوا معاً وفرحوا معاً .. عاشوا صعود برج القاهرة للسماء كرمز لمصر الحديثة، كما عاشوا بدء البث التليفزيونى من ماسبيرو كإشارة لإرتفاع صوت مصر فى العالم. تعاونوا فى بناء السد العالى وفرض هيمنة المصريين على الفيضان وكوارثه، فجروا المناجم، شقوا الطرق، بنوا المصانع، كونوا النقابات، تبنوا مشروع محو الأمية وتعليم الكبار، تبرعوا للمدارس والجامعات ودور العبادة. انفعلوا وتفاعلوا مع أقوى نهضة ثقافية عرفتها مصر فى تاريخها كله. حافظوا على الجيرة، والعشرة، والحياة الأسرية .. كان أهل الفتاة مطمئنين إن تركوها بمفردها، لأن أولاد البلد كانوا "جدعان"، لم يخشى أحد من أى خلاف أسرى لأن يؤدى للطلاق، فهذه الكلمة لم تكن متداولة، لم يكن أحد يتذكر ديانة الآخر إلا يومى الجمعة والأحد، فالدين كان لله والوطن كان للجميع دون تفرقة، المسلم مسلم مع نفسه، والمسيحى مسيحى مع نفسه، وفى الأعياد والمناسبات يتزاورون مهنئين بسعادة حقيقية واضحة. كان الشباب يتسارع لتأدية الخدمة العسكرية لأنه شعر بأهميتها وبواجبه تجاه وطنه، كما سارعت الفتيات للخدمة العامة لنفس الدافع .. كانوا يشتركون جميعاً صباح كل يوم لسماع أخبار عائلة مرزوق، ويتجمعون مساءً يومياً كأسر وكأصدقاء لمشاهدة القاهرة والناس، وأول خميس من كل شهر موعدهم مع أم كلثوم، والمسارح القومية تعرض عليهم كل نهاية أسبوع رائعة من روائع الأدب العالمى والعربى، والأطفال كان من حظهم مسارح الجيب والعرائس والسيرك بما يعرضوه من أعمال هادفة ..

إيــــــــــــــــــــــه .. دنيا 

هو جيل أو أجيال .. ظهر فيها ومنها أسماء مثل الباز وزويل، والباقورى والشعراوى وكيرلس، وجاهين ودنقل وحداد، وأم كلثوم وعبد الحليم، والجوهرى وحسن شحاتة، وعبد المنعم رياض والجمسى، ألفريد فرج ولويس عوض وسعد الدين وهبه والشرقاوى، ومصطفى محمود ويوسف إدريس ... عــــــــــــــــــــــــالم تانى خالص ... عالم لم يكن لديه وقت يضيعه فى العبث وفى الأمور الشخصية كالدين والموضة وغيرهما .. ناس تربت على أن العمل فضيلة، وأن النظافة من الإيمان، فكانت البلد نظيفة، والعمل فى كل مكان أشبه بخلية النحل .. كان من يشترى مجلة الصياد أو الشبكة أو البوردا، يصنف على أنه شخص فاضى ليس لديه ما يفعله..

هل فهم "الشباب" الآن كيف كانت مصر، وكيف تربت ونشأت الأجيال السابقة لهم مباشرة؟؟
هل عرفوا لماذا يحتجوا على كل ما نعيشه اليوم؟؟ ولماذا يستغربون تلك الظواهر الفتاكة بمجتمعنا والتى تزداد يوماً بعد يوم بشكل إضطرادى؟؟
هل يحاول أحدهم مقارنة تلك الأمثلة البسيطة جداً السابق ذكرها، بما نعيشه اليوم ليقف على حقيقة المآساة؟؟ وعلى زيف ما نحن غرقى فيه؟؟
هل نقارن أم كلثوم بهيفاء مثلاً؟؟ أم نقارن مشروع السد العالى بــــ ... بماذا؟؟ لا أجد له مقابل حالياً!! 

المقارنة غير معقولة بين الحقبتين .. وأعذر جيل الشباب فى عدم إستيعابهم لما تقوله الأجيال الأكبر منهم .. فما يحكونه .. يصعب عليهم مجرد تخيله .. 
لا عجب إن ظن بعضهم أنه كلام خيال فى خيال، فواقعنا البشع لا يسمح لهم حتى برفاهية هذا التخيل وتصديق أنه كان حقيقة وواقع وإختفى هكذا فجأة.

كيف لهم اليوم أن يتخيلوه؛ وهم قد نشأوا فى مجتمع نصفه تقريباً عاطلاً عن العمل؟ ومرافقه لا تصلح للإستخدام الآدمى، وحالات الإنفكاك الأسرى سواء بين الزوجين أو بين الأبوين والأبناء هى السائدة، والتعليم الذى هو أساس أى أمل .. يعتبر أفشل تعليم بين كل بلاد الأرض، والفساد هو الطبيعى، والشرف والنزاهة والجدية والأمانة والصدق والنخوة والحب .. كلها مصطلحات لا وجود لها فى واقعهم، ومن يفعل شئ منها ينال تقديراً وجائزة، وكأنه فعل المستحيل .. كيف لهم أن يتخليوه، وهم محاصرون بمدعين للأديان المختلفة، ممن يحفظون نصوصاً لا يفهمون منها شيئاً على الإطلاق .. كالحمير يحملون أسفارهم .. والمساكين من الشباب الذين لم ينالوا أى حظ فى أى تعليم جيد يجعلهم قادرين على التمييز الصحيح بين الغث والثمين من كل ما يسمعونه ويرونه .. يقعون فريسة لهؤلاء المدعين، يتلقفونهم ويشكلونهم كيفما يشاؤا، فهم فى سن التشكل مدعومين بالحماس، والحديث الدينى هو الأكثر تأثيراً فى النفوس. 

وليكتمل سواد الصورة .. يجدون من جهة: 
"قمص" فاسق لئيم كاذب .. لا هم له سوى تشويه الإسلام والتحريض ضده مستخدماً كل الوسائل القذرة فى حربه تلك التى أشعلها هو وأبى لها أن تخمد .. 
ومن الجهة الأخرى .. 
"شيخ" يدعى العلم وهو أبعد ما يكون عنه، يستغل وقاحة القمص ليظهر وقاحة مماثلة لا تعبر إلا عن ما بداخله من مرض نفسى وجهل تام بالدين الإسلامى الذى يدعى أنه يمثله، ومقت كامل للمسيحية.
ولا يجد الإثنان أى صعوبة فى حشد أتباع لهما، ولا يجدا أى موقف رادع من أولى الأمر فى الدولة، ولا من المثقفين فيها .. فيستمرا .. وتستمر الضغائن بين أهل الشعب الواحد، وتزداد الأفكار الشاذة شذوذاً
.
وكرد فعل تلقائى .. تزداد السلوكيات المتخلفة الهدامة إنتشاراً، بزعم أنها هى الدين 
وكأن الدين الذى يحكم بلادنا من مئات مئات مئات السنين .. لم يكن ديناً 
وكأن كل من عاشوا على هذه الأرض طيلة ما يقرب من 1500 سنة، لم يكونوا متدينين .. ومصيرهم جهنم وبئس المصير 
وكأننا لم نعرف الدين الصحيح إلا فى الخمسة وعشرين سنة الماضية فقط .. بفضل حضراتهم 
!!!!!


قلتها كثيراً وسأقولها كثيراً ... الموضوع كبير .. كبيـــر .. كبيـــــر .. وربنا يستر.


أتمنى .. أن يعى كل جيل، ظروف نشأة الجيل الآخر .. ليسهل عليه فهم مرجعياته ومنطلقاته وأسباب كلامه وشكاواه .. 
علنا بهذه الطريقة .. نصل إلى أقرب ما يمكن من فهم الآخر .. بفرض أنه فعلاً آخر .. مع الأخذ فى الإعتبار؛ أن مجرد التذكير بتلك القيم وهذه المعانى، هى مساعدة للجيل الحديث، ليستفيد منها من يريد الإستفادة فعلاً

وعمتم مساءً