Insignia identificativa de Facebook

Translate

قم يا رجُل!




أغسطس 2003


لا تكف النساء فى عصرنا المبارك هذا عن الشكوى من الرجل، وعن الحديث عن مفاتيح أسرار شخصيتها التى يفتقدها الرجل وبالتالى يجهل الأساليب الصحيحة للتعامل معها. وينتهى كل حديث لهن بإتهام الرجل أشد اتهام، حتى بت أخشى أن يصلن يوماً إلى قمة السلطة والنفوذ، فيقررن القضاء عليه سحلاً أو تعليقاً من قفاه على أبواب القاهرة القديمة عبرة لمن يعتبر.
وقبل أن يأتى يوم محاكمتى .. قررت تحضير أوراق دفاعي، وبدأتها بسؤال معاكس (كونتر أتاك):
ـ سيدى القاضى (أو سيدتى .. "مين عارف!") .. كم من السيدات الفاضلات .. تملك مفاتيح الرجل؟
الرجل يبحث عن المرأة التى تكون له أم، وأخت، وصديقة، وعشيقة، وإبنة، وكل شئ .. يبحث عن المرأة التى تغنيه عن غيرها، فلا يبحث عنها على القهوة ولا فى النادى ولا على انترنت، ولا فى النوادى الليلية ولا فى أى مكان.
يبحث عن المرأة التى تستوعبه، والتى يمكنه الإعتماد عليها وقت الشدة والضيق، وطبعاً وقت الفرح والسرور، والتى تشاركه أفكاره وتشاركه إهتماماته وتشاركه فضوله وطموحاته.
فهل تقوم المرأة بواجباتها .. قبل أن تطالب بحقوقها؟؟
سيدى القاضى (أو القاضية) ..
قبل الزواج .. المرأة .. يا عينى على المرأة قبل الزواج .. أناقة، إهتمام بالنفس، إهتمام بما يقوله، إهتمام بكل صغيرة وكل كبيرة على حد سواء.
وتمر سنة .. فقط سنة واحدة .. (علشان خاطرك، خليهم إثنين)
ـ قوامها الممشوق .. (يالله مش مهم .. ربنا أمر بالستر)!
ـ رائحة البرفيوم، صارت رائحة ثوم!
ـ أناقة زيها .. تحول لجلابية مبلولة من ماء جردل مسح البلاط!
ـ إهتمامها بالقراءة .. صار ينحصر على كتاب أبلة نظيرة (ده لو إفتكرته كمان)!
ـ مناقشاتها معه حول مشاكل البلد، وقضاياه الفكرية والفلسفية، إنحصرت فى سعر البطاطس والأرز اللى زاد ثمنهم الضعف!
ـ الفرح الشديد الذى كانت تظهره له حين كان يدعوها للسينما أو لمعرض فنى أو لعرض أوبرا .. إتضح إنه كان تصنعاً منها لجر رجله .. فالآن .. كل ما تريده كنزهة .. زيارة أهلها!
ـ صوتها الهادئ الحنين العاطفى الذى كان يفتنه، تحول لصوت أشبه لصوت شعبان عبد الرحيم!
ـ وفى أثتاء الليل .. وفجأة وبقدرة قادر، يا إما تتمارض، يا إما تنام بدرى وتتركه بمفرده يغنى بلادى بلادى!
وغيره وغيره وغيره ...... !

يا ترى يا هل ترى .. بعد كل هذا .. مازالت إحداهن تملك الجرأة لإتهام الرجل بأنه هو الذى لا يفهمها ولا يعطيها حقها؟؟
قال إيـــــــه .. بعد كل ده .. تتجرء بعضهن وتسألن: كم من الساده الرجال تمكن من إستخدام الحكمة للوصول لقلب و عقل المرأة .. قال ..

سيدى القاضى (لو كنت لسه مُذكر مش مؤنث) ..
إن شاء الله قريب جداً حأعمل حزب اسميه: "يد واحدة فى مواجهة المرأة المفترية" .. عازمك معانا فيه من دلوقت.
قوم يا راجل بلا بتاع ..
وللحق والعدل .. هل الرجال فعلاً مظلومين؟ والنساء هن الظالمات المفتريات؟
الإجابة ..
نعم وبالثلث .. (وبالعند فيهن)!
..
بالتأكيد، لا يجوز التعميم، فليس كل الناس متساوين فى الطباع والصفات، وإلا سنكون جميعاً قالباً واحداً، وهذا يتنافى مع الطبيعة.

هناك تفاوتاً من رجل لآخر فى معاملته لزوجته، كما أن هناك تفاوتاً من إمرأة لأخرى فى علاقتها بزوجها.
فلا نتوقع أن نجد الرجل الكامل أو المرأة الكاملة.
لابد من وجود بعض الإختلافات بين الزوجين، وهى ما تقود فى أحيان كثيرة إلى بعض المنغصات فى علاقتهما ببعضهما البعض.
الشطارة .. فى أن يعرفا بوجود تلك الإختلافات، ويحددا أولوياتهما.
وهى فى هذه الحالة: "الأسرة وسعادتها". ومن هنا، يعرفا كيف يمكنهما التعايش معاً فى وجود الإختلافات.
هذا هو المفتاح الوحيد للعلاقة الأسرية الناجحة فى ظنى.

والله أعلم ..

فن .. ما فيهاش حاجة


14 أغسطس 2003

إضافة لسجل غسيل العقول ونشرها بعد عصرها، والمُسمى بالتطبيع وسياسات السلام. وإمعاناً فى غرسه فى عقول النشء، بمباركة الأهل والحكام .. وقع تحت بصري اليوم خبر لذيذ طازة .. من موقع بى بى سي .. مفاده:
أن قائد الأوركسترا الإسرائيلى "دانيال بارينبويم" سوف يقود أوركسترا مكونة من 80 عازفاً من الشباب الإسرائيليين والفلسطينيين فى العاصمة المغربية الرباط، بدعوة من العاهل المغربى محمد السادس ، وبمباركة وإشراف المفكر الفلسطينى إدوارد سعيد ..

ويقول الخبر .. أن بارينبويم يأمل أن يساعد الحفل فى تنشيط عملية السلام، خصوصاً وأنه سيقام فى دولة المغرب التى كانت دائماً ـ حسب قوله ـ بين أكثر البلدان العربية نشاطاً فى عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

كما يقول الخبر أيضاً .. أن بارينبويم والكاتب الفلسطينى إدوارد سعيد قالا؛ أنه لا توجد دوافع سياسية وراء ذلك ... وأنهما يرغبان فى تشجيع الإسرائيليين والفلسطينيين على التشارك فى ثقافة الموسيقى، وبالتالى تشجيعهما على تجاوز العداوات التاريخية.


إنتهى الخبر .. ولنلاحظ اللطافة فى الفقرتين التاليتين من نص الخبر:


ـ ويقول بارينبويم إنه يأمل أن يساعد الحفل الموسيقي، الذي سيقام بمسرح محمد السادس بالرياض، في تعزيز الصداقة والسلام والأمن.

تعليقى: الرياض: (غلطة مطبعية من بى بى سي، والصحيح هو "الرباط" .. ولسوء نيتى، أعتقد أنها غلطة متعمدة لخلق إرتباكاً وترك إنطباعاً معيناً عند القراء العرب).

ويضيف المايسترو العالمي "لقد كانت المغرب دوما بين أكثر البلدان العربية نشاطا في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين".

تعليقى: (أظن كلام واضح).
ثم
ـ غير أن بارينبويم، والكاتب الفلسطيني إدوارد سعيد، قالا إنه لا توجد دوافع سياسية وراء ذلك.
ويقول بارينبويم وسعيد إنهما يرغبان في تشجيع الإسرائيليين والفلسطينيين على التشارك في ثقافة الموسيقى وبالتالي تشجيعهما على تجاوز العداوات التاريخية.
تعليقى: (
مفيش دوافع سياسية لأ .. أنا بس اللى مش فاهم).

فن .. وما فيهاش حاجة!!

تجنيد الكُتاب


أغسطس 2003

هل تجند أمريكا الكُتاب في صحفنا للدعاية لها؟

سؤال يطرحه البعض فى بعض القنوات الفضائية والصحف والمنتديات الإنترنتية، وتدور حوله المناقشات والمناظرات
والغريب (بالنسبة لي على الأقل) .. أن هذا كله يحدث. أى أنه ما زال هناك من لا يعرفون الإجابة. والأغرب؛ أن هناك من ينفيها
لقد جندوا بعض الحكام، فهل يستكثرون عليهم تأجير كُتاب؟
بسيطة .. فليراجع المشككون بأنفسهم أفكار الشباب فى بلادنا، ومجال المراجعة والبحث واسع ومفتوح، وسيدركون حجم الكارثة، وحينها سيسألون أنفسهم إن كانوا فعلاً صادقين فى نواياهم:
ومن أين إستقى هؤلاء الشباب أفكارهم؟ كيف وصلت بهم عقولهم لهذا الحد المؤسف؟ فهو إما عقل خاوى تماماً، أو عقل مُضلَل تماماً، وصل ببعضهم للمناداة بسلخ مصر عن العروبة، وبالبعض الآخر للمناداة حتى بمحو كلمة العروبة من جذورها، والبعض الآخر يمجد فى السادات رغم كل أفعاله ونتائجها التى يعيشها حتى الآن العرب جميعهم وأولهم مصر، وبعض منهم لا يرى فى اللغات سوى الإنجليزية، وما سواها ـ وبالذات العربية ـ لا معنى له، وبعض آخر يوافق على الحل السلمى الوسط مع الصهاينة ويقبل التطبيع معهم، وبعض آخر صار يرى فى مسابقة ملكات الجمال ومثيلاتها من إحتفاليات؛ الحل لتقدم مصر وتحضرها، وبعض آخر همه الوحيد إقتناء أحدث موديل للمحمول حتى لو باع أهله ليحصل عليه ... أى عقلية الاستهلاك والإستغلال والنفعية.
لننظر لتلك العينات .. من ضمن كل ما حولنا الآن، ولنسأل من السبب؟
والسبب معلوم .. المدرسة، والإعلام بواسائله.
تُرى .. هل نام المدرسون بليل ليستيقظوا وقد تغيرت معلوماتهم أثر حلم أو كابوس إنتابهم أثناء نومهم؟ ـ كلا .. إنه المنهج الدراسى الذى تغير بفعل فاعل.
تُرى .. هل تغير كلاً من الرقيب ومُعد البرامج فى التليفزيون؟ ـ نعم .. تغيرا بفعل فاعل.
تُرى .. هل إختفت عواميد صحفية وظهرت أخرى؟ ـ نعم .. وبفعل فاعل.

وكله .. لخدمة الهدف .. ولخدمة المخطط ...
ثم يأتى بعد ذلك من ينفى فكرة وجود المؤامرة!
!!!!!!!

4ـ الخبطة الثالثة



أغسطس 2003

الخبطة الثالثة

عندما تكون فى القاهرة، تشم رائحة لا تشمها فى مكان آخر
.
ليست بالضرورة رائحة ورود ولا يا سمين، وليست برائحة منفرة كذلك، إنما هى رائحة خاصة، شذا مميز، لايتشابه. خليط من رائحة الصحراء التى تحيط بها مع رائحة النيل مع رائحة الدلتا الخضراء القريبة، مع رائحة المأكولات المصرية المميزة، مع رائحة عوادم السيارات، وحتى مع رائحة الناس أنفسهم، وكثيرون منهم يتعطرون بالمسك وآخرون بعطور فرنسية وغيرهم ليس عليهم إلا عرق كدهم. كوكتيل غريب من الروائح وبنسب مئوية خاصة جداً بمدينة القاهرة.
عندما تكون فى القاهرة، تسمع أصواتاً لا تسمعها فى مكان آخر.
تسمع أصوات محركات السيارات، مع أصوات آلات التنبيه، مع أصوات شرائط الكاسيت التى تنبعث من كل السيارات دون إستثناء، بأغانى أو بقرآن. تسمع آذان الصلاة منبعثاً فى الهواء من كل إتجاه وإلى كل إتجاه. تسمع منادو سيارات الميكروباس ينادون على الركاب، كل بأسلوبه، وجميعهم بأصواتهم الجهورية المميزة. تسمع برامج التليفزيون والراديو خارجة من المقاهى المنتشرة على كل ناصية شارع. تسمع ضجيج حركة الناس بصفة عامة .. تمتزج كل تلك الأصوات فى آن واحد، بشكل تآلفى هارمونى معقد بالغ الصنعة، لا يقدر أى مؤلف موسيقى مهما بلغت عبقريته، التعبير عنه بكل آلات الأوركسترا الفيلهارمونية.
بين حاستى الشم والسمع إضافة للبصر، كنت أتجول يومياً مستمتعاً بكل شئ، وإن تضايقت من بعضهم .. لكن الكمال مستحيل.
فى اليوم التالى لوصولى، وبعد عمل عدة إتصالات تليفونية لترتيب زياراتى، خرجت فى أول جولة .. وكان الجو، هو أول مشاكلى. فقبل سفرى مباشرة، سألت بعد الأصدقاء عن الجو فى تلك الفترة، فأكدوا لى أنه بين 20 و25 درجة مئوية، وهذه الدرجة حيث أقيم حالياً .. تعتبر حر، وتعودت فيها على لبس الملابس الخفيفة جداً، وعليه؛ لم أحضر أى ملابس ثقيلة .. لكن المفاجأة كانت أنها حوالى 14 درجة وفى المساء تقل أكثر، كان الناس مازالوا يرتدون الملابس الثقيلة، بينما أنا أسير بقميص خفيف جداً، وهو ما جعلنى ألعن أصدقائى إياهم سراً وعلانية، خصوصاً بعد نزلة البرد التى أصابتنى فى اليوم الأول .. وأدركت حينها اننا كمصريين، لا نهتم بالجو وبدرجات الحرارة ولا بالنشرات الجوية، وهو ما يجعل الغالبية يفتون برقم الدرجة .. وزى ما تيجى!
والحقيقة .. أنا شخصياً لا أهتم بتلك النشرات، لكن وقتها كنت بحاجة لمعرفتها.
فى الشارع كنت أسير بطيئاً متمهلاً على غير العادة، لألاحظ الحى الذى نشأت فيه، ما تبقى منه وما طرأ عليه من تغييرات .. بشكل عام لم يتغير كثيراً، لكن هناك محلات قد تغيرت أسمائها ونشاطاتها، ووجدت شلل جديدة من أبناء الحى، يقفون فى نفس الأماكن التى كنا نقف فيها وقتما كنا فى سنهم، لم اعرف أى منهم .. وشعرت لحظتها بتأثير غيابى وغربتى.
ذهبت لبعض الدكاكين والمحلات التى كنت دائماً أتردد عليها، من البقال إلى المكوجى إلى مطعم الفول إلى العجلاتى إلى الميكانيكى، البعض منهم قد ماتوا وحل محلهم أبنائهم أو إخوتهم، والبعض الآخر قد شاب شعره وبانت عليه آثار السنين، وكانت آخر صورة لهم فى ذاكرتى مختلفة كل الإختلاف.
عرفنى الجميع، وتبادلنا التحيات والسلامات وقص الحكايات والذكريات، وإغرورقت عيناى وأعين البعض منهم بالدموع ونحن نتذكر بعض من انتقلوا لرحمة الله فى تلك الفترة، ومنهم والداي الذان تذكرهما الجميع بالخير وترحموا عليهما، وكأنهم كانوا يعزونى فيهما من جديد.
كى لا أطيل فى حالة الشجن تلك، تركتهم مسرعاً بإبتسامة خاطفة، وأوقفت أول تاكسى، وطلبت منه الإنطلاق إلى أى مكان.
تماماً كما يحدث فى أفلام السينما، نظر لى السائق، وقال:
ـ أى مكان فين يعنى يا باشا؟ ..
قلت له: ماشى .. ودينى ميدان الجيزة.
أما عن هذا التاكسى .. فسأحدث ولا حرج !
كان التاكسى فيات R هذا الموديل الذى انقرض حتى من كتالوجات تاريخ المصنع! ولو عرفت شركة فيات الإيطالية، بوجوده حتى الآن فى شوارع القاهرة، أظنها ستشتريه من السائق بأى ثمن يحدده هو لعرض السيارة فى متحفها أو لبيعه فى مزاد علنى لهواة إقتناء التحف.
هذا ما ظننته فى البداية، كنت أظن أنها السيارة الوحيدة من هذا الطراز فى مصر، لكن أثناء الطريق، شاهدت منها العشرات، وشاهدت كذلك، موديلات وماركات أقدم وأكثر ندرة، وبأعداد كبيرة .. وعمار يا مصر .. مفيش فيها حاجة بتموت ولا بتنتهى!
قبل ركوبى التاكسى، نظرت للباب باحثاً عن المقبض "الأوكرة" لفتح الباب، ولم أجدها .. كان مكانها (خُرم) ومد السائق يده مشكوراً ليفتح لى الباب من الداخل!
وبحكم طول قامتى .. فأضطر دائماً إلى إرجاع المقعد للخلف لأقصى درجة، فطلبت من السائق بأدب أن يرجعه لى كى أتمكن من الركوب، فقال لى فارغاً فاهه وناظراً لى وكأنى أحدثه باللغة اليابانية: هه !
فأعدت عليه الطلب، فنظر للأمام وقال لى:ـ ما تركب يا أستاذ، خليها على الله.
وبدون تفكير سارعت بالرد عليه، لأنى فعلاً لم أفهم: ـ هى مين؟!!؟
فرأيته وقد بدأت ملامحه تتغير والغضب بدأ يبدو على وجهه. فعافرت علشان أعرف أحشر نفسى وأقعد ورُكبتى تكاد تصل إلى ذقنى أثناء الجلوس.
وسألته: ـ طيب ممكن تقف عشان حأنزل أقعد ورا أحسن؟
فرد: ـ ليه على إيه؟ إنت مش طويل أوى يعنى، ده أنا بيركب معايا ناس طولك مرتين، وبعدين ورا مفيش كرسى.
فنظرت للخلف، لأكتشف فعلاً ان المقعد الخلفى غير موجود .. كان الموجود عبارة عن الشاسيه وعليه طبق غسيل بلاستيك كبير وفيه عدة ميكانيكى، وبجانبه فردة كاوتش مقطوعة.
رغم صعوبة الجلوس، حاولت البحث عن حزام الأمان، ولم أعثر عليه، فسألته عنه .. فقال لى: ـ تحت منك يا باشا .. وتعجبت .. إيه اللى جابه تحتى؟ إزاى؟ ..المهم حاولت أطلعه، وأخيراً نجحت، لكنى لم أنجح فى ربطه، فمكان الربط كان مكسور، فقال لى:
ـ ماتقلقش إنت خلاص حتنزل، بس إمسكه كده بإيدك لو شفت حد منهم.
وكان حزامه هو أيضاً غير موضوع فى مكانه، وإنما يضعه فقط فوق القميص .. زينه يعنى .. وكأن الحزام غرضه (لو شفت حد منهم!)
.. بس ما علينا
وصلنا ميدان الجيزة، بعدما كدت أختنق من الدخان المنبعث من الموتور أو من الشكمان .. لا أعلم .. إلى داخل السيارة نفسها، وبعد أن كادت أذنى تصم من شريط الكاسيت الذى كنت أستمع إليه إجبارياً، ولا أعرف إن كان مغنى أو مغنية، أو إن كان عربى أو أجنبى، فقد كان الصوت "بايظ وبيوش" ويقف كل دقيقة، فيخبط عليه السائق بظهر يده فيعود لإطرابنا مرة أخرى.
ليس غريباً على أحد أن أقول أن عداد التاكسى كان متوقفاً لا يعمل .. فلن أقولها.
فى الماضى كنت أدفع لنفس المشوار حوالى جنيه وربع أو جنيه ونص .. مش فاكر بالضبط.
فسألته لعلمى بأن الأسعار قد تغيرت بالتأكيد: ـ عاوز كام؟
فتأتينى منه الإجابة التى حُرِمت منها لسنوات، وكنت أظننى قد نجوت من سماعها إلى الأبد: ـ هات اللى تجيبه.
مشكلة فعلاً .. طيب أنا اعرف منين يا جدعان؟؟!!
فعملت حيلة ... تصنعت بأنى أبحث فى محفظتى .. ثم تأففت من عدم وجود ما أريد دفعه "فكة" .. فأعطيته 10 جنيه، وسألته:
ـ معاك فكة؟ أنا مامعاييش.
فأجده أكثر لؤماً .. رد لى العشرة جنيه كلها .. لكن جنيهات!
تعمل إيه يا أبو العريف؟؟ .. تعمل إيه يا أبو العريف؟؟ .. رحت مديله 5 وغمضت عينى عشان ما أشوفش وهو بيضرب .. وما ضربش الحمد لله .. أخدهم وقال لى: ـ نهارك فل ..... ومشى الحمد لله.
أضع المحفظة فى جيبى، وأرتب ملابسى "اللى اتعجنوا فى التاكسى"، فأكتشف أن حزام الأمان، ترك شريط أسود على قميصى الأبيض من أول كتفى الأيسر إلى عظمة وسطى الأيمن. أثر من شحم أو قذارة من أى نوع مش مشكلة .. أنا نهارى فل خلاص! وأكتشف أيضاً أن ركبة البنطلون قد إنقطعت (ضبة ومفتاح) من أثر دخولى أو خروجى للتاكسى وإحتكاكهم بالباب الذى لم يكن مبطناً من الداخل، فقط كان يظهر منه الصاج .. بس عادى .. نهارى فل!

ميدان الجيزة .. واحد من أهم ميادين مصر كلها، وكان فى السابق يعرف باسم ميدان الساعة، وله تاريخ طويل، وحوله قَطَن ويقطُن نخبة من ألمع أسماء مصر فى العصر الحديث والمعاصر من مفكرين وأدباء ومبدعين فى شتى المجالات .. ويربط هضبة الأهرامات وطريق الأسكندرية بجامعة القاهرة وحديقة الحيوان وبقصر المنيل وبمقياس النيل وطريق حلوان وبه محطة سكة حديد خط الصعيد وبريد الجيزة وعدد لا حصر له من المتاجر الكبيرة والمتوسطة والصغيرة.
لكن أيضاً ... به موقف عربات الميكروباص!
وما أدراكم ما هى عربات الميكروباص.

لتنفض الحكومة يدها عن مشكلة البطالة، سمحت لكل من ليس له عمل، بقيادة ميكروباص. ومنعت فى وقت سابق مرور الكارو الذى تجره الحيوانات فى الشوارع، فتحول العربجية إلى سائقى ميكروباص. ولم تُعاون الخارجين من السجون لإيجاد مهنة، فتركتهم يقودون سيارات الميكروباص ... خليط غريب من نوعيات معينة من الشعب، إجتمعوا جميعاً فى مهنة واحدة، وهى قيادة سيارات الميكروباص، والتى صارت حسبما لاحظت، وسيلة المواصلات الأساسية فى القاهرة الكبرى.
تلك الميكروباصات، لا تسير فى حارات محددة، ولا تقف فى محطات محددة ولا لها حتى تسعيرة محددة .. لاهى تاكسى ولا هى أوتوبيس .. هى فزورة .. شئ غريب غير مفهوم .. لكنه عند أهل القاهرة الكبرى .. كالماء والهواء .. ظهر فجأة بعد الانفتاح الساداتى المُسمى بالاقتصادى، وانتشر كالفيروس فى كل شوارع مصر، وأصبحت السيطرة عليه أقرب إلى الإستحالة.
نزلت فى ميدان الجيزة .. لأجد نفسى محاصر من كل إتجاه بتلك الميكروباصات، كانوا كمستعمرة من النمل أجزم أنهم كانوا أكثر من الناس.
عودة لحاسة السمع ..... إختلطت أصوات المناديين لتلك الميكروباصات بشكل نشاذ يرثى له ويقزز كل من لم يألفه، أحدهم يقول: مؤسسة مؤسسة مؤسسة .. والثانى رمسيس رمسيس .. والثالث إمبابة إمبابة .. والرابع فيصل فيصل فيصل.. وتعاون تعاون .. وكيت كات كيت كات .. وفيوم فيوم .. إلخ
وقفت أتابع وأشاهد وألاحظ، ورثيت لهم ولنفسى.
بعد فترة من الفرجة .. قررت عبور الشارع للتمشية ولمزيد من الفرجة. وما أن عبرته "بصعوبة" .. حتى رأيت تلك السيارات تهدى السير كلما إقتربت منى .. ليسألنى المنادى الذى يقف متعلقاً على سلالمها وجسمه يكاد يكون طائراً فى الهواء:
ـ رمسيس رمسيس، رمسيس يا باشا؟
وأهز رأسى بلا .. فينطلق بسرعة .. ويأتى التالى له والتالى والتالى وهكذا .. إلى أن أتانى أحدهم .. وكان ينادى قائلاً:
ـ مؤسسة مؤسسة ..
فأهز رأسى بلا أيضاً .. فيقف هو تماماً .. ولا أعيره إهتماماً، فهو ليس موضوعى .. لكنه يبادرنى قائلاً ومصراً:
ـ يالله مؤسسة .. تعال فيه مكان ..
وأقول له مستغرباً إصراره: ـ مش رايح المؤسسة!
فيرد: ـ ليه كده بس؟ يا عم ما فيه مكان أهه، والله فيه مكان .. تعال.
فوقفت دون حراك .. أحاول إدراك إن كانت دعابة أو سخافة.
فينظر هو للسائق ويقول له :
ـ بس .. أهو حييجى أهه .. مش قلتلك؟ ده راجل ذوق.
وأستمر فى تَسَمُرى فى المكان غير مُصدق .. ويظل هو يتحدث بنفس الطريقة وأنا أكتفى بالنظر إليه دون تعليق وحواره قد حُفِر فى ذاكرتى .. ولا يتحرك إلا بعدما ثارت آلات تنبيه جيوش الميكروباصات خلفه .. تريده أن يتحرك .. فقد كان بالمناسبة؛ يقف فى وسط شارع الجامعة أمام مدخل كلية الزراعة تقريباً معطلاً بذلك المرور كليةً.
(بالمناسبة .. فين المؤسسة؟؟ عمرى ما سمعت عنها إلا منه!! (
لم أكن ليفوتنى قبل نهاية زيارتى للقاهرة، أن أركب الميكروباص مرتين ثلاثة، كى أشعر بالإنتماء فى أوج معانيه .. وفعلاً شعرت براحة نفسية وبهدوء بال وبإنتعاش غريب وأنا بداخله، وفهمت سبب إصرار المصريين على وسيلة النقل هذه ... خصوصاً مع شرائط الكاسيت التى يضعها السائقين لتصحبهم أثناء الرحلات، وهى إما شرائط للغناء الذى يدعون بالخطأ أنه شعبى .. أو شرائط لهؤلاء الشيوخ الذين ظهروا حديثاً وليس فى كلامهم محتوى ولا يعجب سوى طبقة معينة من الناس .. حاجة هبــــــــــــــــــــاب.

وكى لا تفوتنى أى وسيلة مواصلات قاهرية .. فقد أخذت الأوتوبيس أيضاً ... والأوتوبيس الحكومى 4 أنواع .. إستعملتهم جميعاً:
ـ الأوتوبيس النهرى .. وهذا للأسف وللحسرة .. لم تطله أى تعديلات أو تحسينات منذ 10 سنوات على الأقل .. هى آخر مرة ركبته فيها .. فوجدت بيوت العنكبوت فى أركانه وتحت مقاعده ظاهرة للجميع، ولم أستطع أن أستمتع بمشهد النيل من خلال النافذة، لأن الضباب الناتج عن الرطوبة المنبعثة من الماء، لم يمسحها أحد منذ سنوات، فإلتصقت بالزجاج وصارت جزءً لا يتجزء منه (يغلوش) على الرؤية ... علماً بأن سعر التذكرة أصبح حوالى جنيه أو 2 جنيه (لا أتذكر) .. بينما أذكر أنى دفعت آخر مرة من 10 سنوات حوالى 5 قروش أو 10 قروش فقط!!! ... فإلى أين يذهب الفارق؟؟؟؟؟؟؟؟ وأين عمال النظافة؟؟؟؟؟؟؟
قارنت بينه وبين نفس الأوتوبيس فى نهر السين فى باريس .. وهو بالمناسبة ... نفس الأوتوبيس وحتى نفس الماركة ..
وهالنى الفارق.

ـ الثانى هو الأوتوبيس الفاخر .. وهذا هو أحدث مبتكرات الحكومة المصرية .. عبارة عن أتوبيس (بالنفر) تماماً كالميكروباص السابق وصفه .. من حيث عدم وجود محطات ولا يحزنون .. أو على الأقل لم ألاحظها .. الفارق انه مكيف، وتذكرته ثمنها 2 جنيه .. وطبعاً بما إنه ضخم جداً يعيق المرور فى شوارع القاهرة المزدحمة، وبما إنه بـ 2 جنيه ومالوش محطات وبيمشى ببطء كى يأخذ كل من ينادوا عليه فى الطريق، فلا أحد يستخدمه تقريباً ودائماً خالى. مشوار بالأوتوبيس العادى يستغرق 15 دقيقة .. أما بهذا الديناصور المكيف المتجول فى شوارع القاهرة، فقد إستغرق ساعة أو ساعة ونصف .. .. وأهى فُسحةفليحيا رجال التخطيط فى بلدنا.

ـ المينى باص .. كان يا ماكان، فى سالف العصر والأوان .. أيام ما أنزلوه لشوارع القاهرة من كام سنة .. فقط للجلوس، وإن أكتملت المقاعد، لا يقف به السائق إلا إذا طلب أحد الركاب النزول .. أما الآن، فوجدته فى حالة تقطع القلب حقيقى .. الناس تكتظ داخله كالسردين فى العلبة، والسيارة تكاد تميل على جانبها، والموتور صوته يصرخ ويكاد ينطق ويقول الرحمـــــــــــة.
ـ وأخيراً .. حبيبى وحبيب الملايين الأوتوبيس أبو ربع جنيه (فيه منه بنص جنيه) .. سبته لما كان بشلن والله، وحضرته لما خلوا شوية منه بربع جنيه، وكان حديث الساعة أيامها .. لقيته هو هو .. بشحمه ولحمه .. اقصد بشحمه وصاجه .. لذيذ ومنعش ولابديل عنه .. يخترعوا وسائل جديدة، يبتكروا مواصلات جديدة .. مفيش فايدة .. يبقى هو الملك.
ركبته ولم يكن لى هدف محدد، فقط أردت ركوبه .. فركبته، ويمر بائع الكبريت .. ويبدأ فى التجول بين أجساد الركاب المتلاصقة، وبصوته الجهورى، يمدح فى بضاعته ويعلن عنها ويروج لها، كأفضل خبير إعلامى عالمى .. بدأ بسعر جنيه للعلبة الكبيرة، وبدأ يتراجع فى السعر ويخفض فى الثمن بعدما أشفق على حالة الركاب المادية (حسبما كان يصفهم)، فيعلن بدايةً عن العلبتين بمية وخمسين صاغ، ثم يقشعر بدنه لفقر الركاب، فيمنحهم تخفيضاً آخراً، ليبيعهم الثلاثة بمية وخمسين .. وحيث انه لا فائدة فيهم، والأنيميا بدأت تصيبه منهم ومن فقرهم (حسبما قال) .. فيقدم عرضه الأخير .. لا بجنيه ولا بنص ولا بربع حتى .. الخمسة بجنيه وأمره لله وعوضه على الله .. ودائماً .. الوصف منقول عنه مباشرة دون تصرف .... فعلاً متعة.
والأمتع .. نزول الناس من الأتوبيس، لا أحد يريد الإنتظار حتى يقف، ولا السواق نفسه مستعد لأن ينتظرهم ..
الكل ينط من الأوتوبيس ... وأنا كمان!
(:

يتبع
..

القصة


أغسطس 2003


الحديث عن "نظرية المؤامرة" صار "موضة" منذ فترة، تتلوكها ألسنة وأقلام الكثيرين بين مؤيد ومعارض.
وليثبت ويدافع كل فريق منهما عن معتقده، يشطح ويبالغ أحياناً، فيفقد الرأى توازنه، ولا يلقى إعجاباً إلا من فريقه المؤيد بالطبع.

وصلت شطحات أحد المعارضين لنظرية المؤامرة لحد القول بأن "نظرية المؤامرة هى استغناء مجانى عن العقل وإعاقة للمعرفة" من خلال قصة رائعة، ممتازة، غاية فى البلاغة .. من تأليفه.
لكنها لا تعدو أن تكون قصة .. أى محض خيال، لا أرض تستند عليها.
ولأنى أهوى القصص .. أعرض بدورى قصة أخرى. على الرغم من أنى مؤلفها، إلا أنها حقيقية، مأخوذة من تاريخ الإنسانية. علها توضح للرافضين لنظرية المؤامرة بعض الأمور.

القصة
تبدأ القصة برجل وإمرأة، يعيشان وحيدان فى أرض ما من أراض الله الواسعة.
الرجل والمرأة وحيدان، عراة، لا مأوى لهما، الدنيا كلها ملكهما، والدنيا كلها ضدهما، فهما يحاربان المناخ ويحاربان الجوع ويحاربان كل شئ.
سريعاً ينجبا ذكوراً وإناثاً، وتعمر بهم الأرض التى يعيشون عليها، وما كان يضطر الرجل لصيده للغذاء هو وزوجته، صار لا يكفى .. يحتاج لصيد المزيد لإطعام أطفاله، فيحتاج لبذل المزيد من الجهد، وبالتالى؛ يحتاج هو نفسه لمزيد من الطعام ليعطيه القوة اللازمة.
يتزايد نسله، ويكبر الأطفال، وتعمر بهم الأرض التى يعيشون عليها، وتزداد حاجة الأسرة لصيد أكثر، وملبس أكثر، ومأوى أكبر.
الرجل يكبر سنه، ويقل مجهوده، فيعينه أولاده، فيكتسبوا الخبرة. ويستمر التكاثر فيما بينهم، وتبقى الحاجات الأساسية كما هى، لكن الأرض باتت تضيق بهم جميعاً، فينزح بعض منهم لأرض أخرى، وبعض آخر لأرض أخرى وهكذا.
تمر السنين، والعقود والقرون، وتصبح كل جماعة نازحة شعباً، له أرضه وله موارده من الماء والطعام والملبس والمسكن، وتبدأ الإكتشافات، فيبتكروا الآلات التى تيسر عليهم الصيد والحرث والبناء، وحتى وسائل السفر والاتصال.
صاروا دولاً، وتقدموا علمياً وحضارياً، لكنهم مازالوا يكدون من أجل تلبية حاجاتهم .. البعض منهم، أسعده الحظ، فأنشأ دولته على أرض ثرية خصبة، والبعض الآخر لم يسعده نفس الحظ، فبنى دولته على أرض قفر، ثلجية أو صحراوية. لكن الجميع .. يحتاجون لنفس الصيد ونفس الحرث ونفس المنزل.
تشتد الحياة ببعض ممن قطنوا الأرض القفراء، فيقررون النزوح منها إلى غيرها .. ليستولوا عليها، وينعموا بخيراتها.
لكن فى الأرض الخيرة تلك، هناك من يعمرها وينعم بخيراتها، وطالما ساهم بجزء من تلك الخيرات لأخوته وأبناء عمومته البعيدة ... كلا ... أبناء الأرض الثلجية، لا يكتفوا بما قسم لهم وما ينالوه من الآخرين، لابد وأن يستولوا على كل الأرض، لضمان حاضرهم ومستقبلهم.
ـ وَيحَكُم .. وماذا أنتم فاعلون بمن يعيشوا بالفعل على تلك الأرض؟
ـ فليذهبوا إلى الجحيم .. الغاية تبرر الوسيلة، والبقاء للأقوى.
يشنوا الهجمات السَعِرة، والغارات العنيفة، يفوزون فى جولة ويخسرون فى أخرى، لكنهم أبداً لا يتمكنوا من القضاء على أصحاب الأرض والحلول محلهم .. فماذا يفعلون؟
ـ حسناً .. فلنبحث فى نقاط ضعفهم، ومنها نقضى عليهم، أو على الأقل .. نضمن خيراتهم لنا.
ويبدأون فى التفكير فى نقاط ضعف من إختصموهم. وتوضع الخطط وتبدأ المناورات والحيل للوصول للهدف ..... وينجحون.
يصرخ أحدهم:
ـ وجدتها وجدتها!
ـ ماذا وجدت؟
ـ حل المشكلة، ليس بإحتلالهم، بل بالبقاء فى أراضينا، لكن جعلهم عبيد لنا، نجعلهم يؤمنون بعكس الحقيقة .. بأنهم فى حاجة لنا، وبدوننا لا حياة لهم، ومن هنا .. نحصل على ما نريد، وأكثر مما نريد، ودون عناء يُذكر منا، وننعم بالرفاهية وبكل سُبل الحياة الرغدة، فهُم .. هناك، مُسَخرون من أجلنا.

وعند هذا الحد .. تقف قصتى.

لم يظهر فيها ولا وسط شخوصها لا إسم قائد ولا زعيم ولا دولة ولا إمبراطورية بعينها .. فقط ظهر الإنسان .. أياً كان إسمه، وأياً كان موقعه، بحاجاته وبرغباته، وبصراعه مع الطبيعة، الذى فرض ويفرض عليه .. حتى التآمر إن إضطر له. (وهو ليس بعذر له .. فقط للتفسير).
والواقع .. أن المؤامرة ليست بنظرية وهمية وقطط سوداء تمشى داخل الشمس ولا حمار يطير بجناح فوق الشجر ولا فيل بزلومتين بيعوم بزعانف فى بلاعة الحوض .. مثلما حاولت قصة صاحبنا المعارض للمؤامرة أن يصورها .. إنما المؤامرة حقيقة، واقع، صفة إنسانية، موجودة بداخل كل واحد منا دون إستثناء، تزيد أو تقل من فرد لآخر حسب حاجته، وحسب تربيته وحسب معتقده الدينى وأخلاقه. وتخرج من النطاق الفردى لتشكل طبيعة شعب بشكل إجمالى عام إن دعت الحاجة .. ولا أبلغ من مقارنة الشعب الإنجليزى فى بريطانيا، والذى يرضع المؤامرة من ثدى أمهاته، بشعب الإينكا فى جواتيمالا المسالم تماماً والمُعتدَى عليه والذى يصعب جداً أن نصفه بالمؤامرة أو بالخبث.
(والكلام دائماً بصفة عامة .. أى قابل للإستثناءات)

المؤامرة ليست نظرية .. المؤامرة حقيقة تعيشها وتعانى منها الشعوب الأكثر مسالمةً والأعمق تحضراً، ويُسببها لهم المقابلين لهم، أى الأكثر عنفاً والأسطح تحضراً.

والله أعلم