Insignia identificativa de Facebook

Translate

3ـ الخبطة الثانية



يوليو 2003


الخبطة الثانية
أمتع لحظة يشعر بها كل مسافر، هى لحظة مروره من باب الخروج من المطار إلى الخارج .. كنت أمشى مسرعاً وكأننى أجرى من شدة اللهفة لمقابلة أهلى وللسير فى شوارع القاهرة.
كان بإنتظارى أخى الأصغر وزوج أختى وطفليها الصغيرين.
بعد السلامات والعناقات بيننا .. ركبنا السيارة متجهين للمنزل.
وأول ما لفت نظرى .. هو بالطبع طريقة قيادة السيارات فى الطريق.
فعلى الرغم من أن السائق الذى كان يقود سيارتنا .. هو سائق محترف، ومفترض فيه العلم التام بقوانين المرور .. إلا أننى كنت أمسك بظهر المقعد الذى أمامى وأدوس بقدمى فى الهواء كأننى أفرمل .. ولم أستطع التركيز فيما يقولونه لى .. من شدة تركيزى فى أسلوب القيادة ...
كنا فى طريق العروبة .. وتحديداً عند عمارات العروبة .. وإذا بى أفاجأ .. بحوار بصوت هامس بين زوج أختى الجالس فى الأمام وسائق السيارة .. فيكسر السائق يمين بسرعة شديدة .. ويركن، ويسلم علينا ويمشى .. ليقودها أخى.
كدت أموت رعباً من طريقة ركن السيارة فى طريق العروبة المزدحم والسريع، فلم يستخدم السائق الإشارة الضوئية للتنبيه عن عبوره من أقصى يسار الطريق إلى أقصى يمينه، ولم يستخدم الإشارة للتنبيه عن وقوف السيارة، ولا أى شئ .. وكأن الطريق ملكه هوفقط .. ناهيكم .. عن أنه ليس الوحيد الذى فعل ذلك، فقد تكرر المشهد عدة مرات أمامى من سيارات أخرى.
ولم يكن أخى بأفضل من السائق .. بل ألعن .. فالسرعة التى كان يسير بها وطريقة إختراقه لطوابير السيارات التى أمامه .. جعلتنى فى حالة يرثى لها تماماً.
تذكرت نفسى وطريقة قيادتى للسيارات من حوالى 10 سنوات فى القاهرة .. وقلت فى نفسى: إيـــــــــه ... أيام.
لكنى عدت لأقول: ولكن ألم يحن ميعاد التغيير؟ كيف تسير السيارات فى إحدى أكثر المدن إزدحاماً فى العالم (الثالثة تحديداً، بعد دلهى ونيو مكسيكو) بدون نظام؟ كيف أن (البركة) هى التى مازالت تتحكم فى مرورنا؟ كيف أنه حتى الآن، لا تُحترم الخطوط الفاصلة للحارات فى الشوارع؟
عن هذه الخطوط الفاصلة .. فُجعت وصُدمت وأصابنى الذهول بحق ودون أى مبالغة، حين إكتشفت أن لا أحد يعلم بمعناها ولا الفارق بين المتقطعة والمتصلة ولا بين الأحادية والمزدوجة .. وليت الكارثة تقف عند هنا .. بل إنى اكتشفت أن لا أحد يعرف أى شئ تقريباً عن قواعد المرور البديهية .. كل ما يعرفه المصريين، هو الجلوس على عجلة القيادة .. غير ذلك .. شكليات لا داعى لها.
قرأت بشكل يومى فى الصحف عن حوادث طريق، وتعجبت أكثر .. كيف لاتثير تلك الأخبار إهتمام أحد؟ قارنت بين ذلك وبين الدول الأوروبية، والتى يفردون فيها مساحة كبيرة لأى حادثة سيارة عادية، فى نشرات الأخبار التليفزيونية والإذاعية .. وتوضع أحياناً فى صدر النشرة .. وتلقى إهتماماً وتركيزاً كبيراً من المتلقين .. بينما عندنا .. هممم!! العدد فى الليمون .. وكبر دماغك يا هتش.

رغم تركيزى شبه التام فى الطريق .. إلا أن أبناء أختى (6 سنوات و4 سنوات) نجحا فى أن يأخذان ما تبقى من تركيز عندى وقتها .. فكم الزغزغة والعض فيما بيننا كان كافياً لسحب تركيزى من الطريق ..
لكن أيضاً .. إستوقفتنى فيهما بعض الملاحظات، والتى تأكدت لى مع الوقت.
فقد كانا يحدثانى، وأثناء كلامهما فوجئت بخروج كلمات إنجليزية مثل الألوان والأعداد وبعض الأسماء لبعض الأشياء .. فى البداية .. عند سماعى لأول كلمة، سألتهما: نعم؟ فقد ظننت أنى لم أفهم نطقهما لإحدى الكلمات، فأعادوها علي .. فأدرك انها كلمة Red .. وأطنش .. بعد أقل من دقيقتين .. وفى جملة أخرى تخرج كلمة Five .. وبرضه أطنش .. لكن التالتة تابتة .. مع الثالثة سألتهما: إنتم بتكلمونى إنجليزى ليه؟ أنا خالكم، يعنى مصرى زيكم، قولوها بالعربى ... فيكون رد الأكبر كالصاعقة حين قالت:
ـ ما أعرفش إسمها إيه بالعربى .. إحنا أخدناها كده فى ال school
لم أعرف كيف أرد .. فليس الذنب ذنبهما.
إكتفيت بترجمة تلك الكلمات لهما للعربية .. وبالطبع لم يكن صعباً عليهما معرفة المعانى لما يسمعونه من التليفزيون ومن البيت .. لكن كان واضح خلطهم للمعانى إن إستخدموا العربية .. يعنى الأحمر ممكن يقصدوا به الأزرق والخمسة يقصدوا بها السبعة وهكذا!!!!!!!!

كان إتصالى بالناس خلال الرحلة .. بفئات إجتماعية مختلفة .. لاحظت أن من الطبقة الوسطى فما أعلى .. هى غالباً، الطبقات التى تعانى من هذا المرض الخطير جداً فى رأيى .. مرض تعليم أبنائهم اللغات الأجنبية .. على حساب اللغة العربية ..
كان جيلى .. ومعظم أصدقائى من نفس الجيل، يتعلم اللغات الأجنبية فى المدارس، وأستطيع أن أثبت أننا تعلمناها أفضل بكثير مما تعلمته الأجيال اللاحقة وما تتعلمه الحالية .. ورغم ذلك .. كانت اللغة العربية هى الأساس، ولم يفقدها أى منا على الرغم من بعده أو ندرة إستخدامه لها .. ويُعلل ذلك بقوة الأساس لدينا .. أما الآن .. فلا هم قادرون على الحديث بالعربية ولا بغيرها .. لخبطة وعك وركاكة وحاجة تغيظ. يكفى أن أستمع لجملة واحدة بالانجليزية مثلاً من أى شاب صاعد واعد مفترس .. كى أعرف إنه مصرى .. من كثرة الأخطاء اللفظية .. رغم أن الموضة .. مُدرسات أجانب فى الحضانة!
ذكرتنى هذه النقطة أيضاً .. بأحد أساتذتى فى برشلونة، وهو عَلَم، له نظريات تدرس على مستوى العالم فى مجال الأنثربولوجى، يعنى مش أى واحد والسلام، وكلامه له إعتباراته وقيمته .. حين قال لنا فى إحدى محاضراته كرد على سؤال يقول:
ـ ما هو تعريف الدول المتقدمة والدول المتخلفة؟
رد قائلاً:
ـ تستطيع الإستدلال عليهم من اللغة المستخدمة فيهم. إن كانت لغتهم الأصلية .. كما هو الحال فى دول أوروبا، كلٍ يعتز بلغته ويفخر بها، ولا يتحدث داخل حدوده إلا بها، ويجبرالغير على تعلمها .... هذه هى الدول المتقدمة.
ـ والآن إذهبوا للعالم العربى .. ولاحظوا اللغة المستخدمة فى كل مقاطعة منه، وستعرفون الفارق.
كما تألمت يوم وقعت هذه الكلمات على أذنى وقع الصاعقة .. تألمت أكثر، وأنا أطوف وأشوف على رأى أم كلثوم.
فى المقابل .. ففى الطبقات الأقل من المتوسطة ـ والمتوسطة أيضاً على فكرة ـ لاحظت وجود مفردات جديدة .. لم أفهمها، ولم أحفظها حتى لصعوبة تركيباتها .. شئ على غرار (روش) .. لكن روش أنا فاهمها وعارفها من مدة، لذلك أتذكرها .. أما باقى الدرر .. فللأسف لم تعلق أى منها بأذنى لأسألكم عنها.

يتبع ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق