Insignia identificativa de Facebook

Translate

تشربوا شاى؟


سبتمبر 2002


فى الواقع .. موضوع شرب الشاى فى بلدنا محتاج وقفة ..

فى يولية 1997 توفى أبى، وبعد يومين من وفاته، كانت الناس كلها عرفت، وبدأت التلغرافات فى الوصول. الحقيقة كانت كثيرة جداً، ملأت شوال من شوالات الأرز بتوع زمان.
الأخ الشاب المحترم موظف مكتب البريد الذى كان يأتى لنا ببرقيات العزاء؛ كان يظل واقفاً بالباب، يتمسح ويدور ويلف ويعود لينظر لى (مبتسماً) قائلاً: خدمة تانية يا أستاذ هشام؟ ..

قد أكون ساذجاً أو قد يكون لعيشى خارج البلد منذ فترة، قد أنسانى معنى الجملة، فقد كانت أول زيارة لى لمصر منذ سفرى منها. وعليه، فقد نظرت له متسائلاً بدورى: لأ، متشكرين جداً. وكأن ردى كان بلغة لم يفهمها! فقد نظر إلي بدهشة، وسألنى إن كان أخى الأصغر أو المرحومة أمى موجودين!! وبالطبع أجبته: أيوة موجودين، خير فيه حاجة ممكن أبلغها لهم؟ .. فرد: أه، بس من فضلك قول لهم إنى جبت التلغرافات.

بأمانة، وقتها، شعرت بأن هناك شئ مفقود فى حوارنا. فما المغزى من طلبه هذا؟ هو ليس أحد أصدقاءنا، ولا جيراننا، ولا يمت لنا بصلة، ودوره لا يعدو تسليم االبرقيات، أى تسليم الأمانة لأصحابها، وفقط. ... إذن ما معنى طلبه هذا؟ أم أنى بطولى وعرضى الذى يتجاوز طوله بحوالى الضعف، لم أملأ عينيه، ويريد التأكد من وصول الرسالة بسؤال ولى أمرى؟؟

فى تلك اللحظة، التى مرت فى صمت تام، فقد كنت أفكر فى كل هذا الذى ذكرته، وفى محاولة منى للفهم .. للرد عليه، مرت والدتى بقرب الباب، وسألتنى: مع من أتحدث؟ فلم أنطق، وإنما أشرت إليها بيدى لتأتى وترى بنفسها، وأخذت أنا جانباً لأراقب ماذا سيحدث. ما أن رآها، حتى إبتهجت أساريره، وسلم عليها: إزاى حضرتك يا مدام، أنا جبت شوية تلغرافات. فردت عليه: شكراً يابنى، دقيقة واحدة.وغابت دقيقة أو دقيقتين، وأنا مازلت أقف منتظراً باقى المشهد، ثم عادت، لتفتح يده، وتضع فيها مبلغاً لم أعرفه حتى يومى هذا، وقالت له الله يرحمها: معلهش بقى المرة دي، حاجة بسيطة، أصل مامعييش فكة، المرة الجاية حأعوضهالك .. يادوب تشربوا شاى بس النهاردة.

كنت بدأت أن أستوعب الموقف من البداية، لكننى أردت أن أكون مخطئاً، وأن أرتكب الإثم بالظن السيئ .. لكن بكل أسف، لم يكن سيئ، ولم يكن إثماً .. وياليته كان.

أعتقد أن ثورتى فى ذاك اليوم، يذكرها الجيران وسيذكرونها لزمن طويل، لكن ما سأذكره أنا أيضاً دائماً، هى بعض التعليقات التى سمعتها على ثورتى، مثل: أصل ده ولد غلبان. ومثل: أصل إنت مش عايش فى الدنيا. ومثل: أمال يعنى حيعملوا إيه؟. ومثل: أصل الدنيا صعبة، مش أحسن ما يسرقوا؟.

لكن .. أين الكرامة؟ أين الكبرياء؟ أين النزاهة؟ أين العفة؟ أين الشرف؟ أين القناعة؟ والأهم .. أين الدين؟ لطالما مررت والكثيرون غيرى بمواقف صعبة، وبأزمات حقيقية يصعب ذكرها .. لكن أبداً لم نفكر فى سلوك كهذا.

وأنتهى الموقف، وإنتهيت بعده إلى نفس السؤال: من الجانى؟ ومن الضحية؟

تشربوا شاى؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق