Insignia identificativa de Facebook

Translate

اليمين واليسار الأسباني

3 ديسمبر 2018

بإختصار غير مخل ..
مع الحرب الأهلية الأسبانية التى انتهت سنة 1939 حكم البلاد القائد فرانكو منذ بداية الحرب سنة 1936 وحتى وفاته سنة 1975 أى لمدة 39 سنة تقريباً، بنظام حكم يميني ثلاثي الأبعاد: (ديني عسكري شمولي). بوفاته وبعودة الحكم للنظام الملكي طبقاً لوصيته .. إختار الملك خوان كارلوس الأول النظام (الملكي البرلمانى) لحكم البلاد. حيث سمح بوضع الدستور. الذى سمح بدوره بإنشاء الأحزاب وتبادل السلطة التى يديرها رئيس الوزراء من خلال الإنتخابات. وأيضاً، قسم الدستور الدولة إلى 17 إقليم، يكون كل منهم متمتعاً بالحكم الذاتي، تحت إشراف وإدارة الحكومة المركزية ومقرها العاصمة مدريد.
في أول إنتخابات بعد إقرار الدستور، ظهرت عدة أحزاب، بعضها قومي محلى، أى مهتم بالإقليم الناشئ منه فقط. وبعضها قومي شمولي، أى مهتم بأسبانيا ككل.
وهذه الأحزاب جميعها، كان منها ذو الميول اليسارية وأخرى ذو الميول الوسطية، وأخرى ذات ميول يمينية.
فاز فى الإنتخابات العامة بإكتساح آنذاك ـ أى فى انتخابات 1982 ـ الحزب العمالي الإشتراكي، وهو حزب يسار الوسط. وتلاه مباشرةً فى عدد الأصوات، الحزب الشعبي، وهو حزب يمين الوسط، والذى كان مؤسسه وقادته وغالبية اعضاؤه، من رجال النظام السابق اليميني (الديني العسكري الشمولي). وهنا إتضح إستمرار الشعب الأسباني على إنقسامه السابق للحرب الأهلية فى ثلاثينيات القرن العشرين.
إستمر فوز وحكم الحزب العمالي الإشتراكي لثلاث دورات متتالية وحتى 1996. نجح خلالهم فى نقل أسبانيا من مستوى تحت الفقر إلى مستوى الدولة الصناعية ذات الأهمية فى وسطها الأوروبى وخارجه.
لأسباب ومشاكل كثيرة، على رأسها الفساد وعدم الوفاء ببعض الوعود الإنتخابية، هبطت شعبية الحزب هبوطاً حاداً، فى مقابل إرتفاع كبير للحزب الشعبي المنافس. الذى فاز فى الدورة التالية من الإنتخابات بنسبة ضئيلة. أرغمته على التحالف مع أحزاب أخرى ليتمكن من الحكم وقتئذ.
هذا التحالف، لم يلق ترحيباً من بعض عناصر الحزب الشعبي، فانشقوا عنه وكونوا أحزاب جديدة. ونفس الشئ حدث من عناصر من الأحزاب المتحالفة معه. ونفس الشئ أيضاً من عناصر من الحزب الإشتراكي العمالي. وهكذا .. حدثت إنشقاقات فى معظم الأحزاب، سواء القومية الأسبانية أو القومية الإقليمية.
في الوقت ذاته؛ كان عدد المهاجرين إلى أسبانيا فى تصاعد ملحوظ. فبعدما كانت أسبانيا مصدرة للمهاجرين خلال القرن العشرين كله. صارت منذ بداية القرن الحالي، قبلة للمهاجرين من كل مكان. في وقت تزامن معه إنشاء الإتحاد الأوروبي بعملته الموحدة، بما له وما عليه من آثار على الداخل الأسباني. وأيضاً إستفحال الأزمة الإقتصادية العالمية، والإرهاب المتأسلم، وإرتفاع نبرة القوميين الإقليميين فى الداخل الأسبانى، كالباسك والكتالان.
من هنا، ضج كثير من الأسبان من تلك الأوضاع، ووجدوا خلاصهم فى الأصوات شديدة التطرف وطنياً وإقتصادياً وإجتماعياً. وبات هؤلاء يخشون على هويتهم من جراء الزيادة في عدد المهاجرين الآتين بهويات ومرجعيات مختلفة. فكانت البداية منذ سنوات فى كتالونيا، كونها تحتضن أكبر نسبة من المهاجرين. بأن ظهر حزب شديد العنصرية اسمه "قاعدة من أجل كتالونيا"، لا هم له سوى إقصاء المهاجرين من أسبانيا كلها, ثم أعقب ظهوره، ظهور أحزاب مشابهة فى الأندلس، ثم فى جاليثيا، ثم فى فالينثيا .. إلى آخره.
تلا ذلك مباشرةً، تصاعد النبرة الإنفصالية فى الأقاليم الحدودية (كتالونيا والباسك) .. مما زاد من غضب الناس وشعورهم بأن الأحزاب التقليدية هى المسؤولة عما وصل إليه الإنفصاليون وما وصلت إليه البلاد عموماً.
ومع هبوط شعبية الحزب الإشتراكي العمالي (يسار الوسط). وكذلك حزب اليسار المتحد (شيوعي معتدل). ظهر حزب جديد اسمه: حزب قادرون (أقصى اليسار). تمكن من جمع أصوات الكثير من الأصوات اليسارية على إختلافها. وبالذات أصوات الشباب المتحمس والغاضب من أنظمة الحكم كلها بصفة عامة، ومن تأثير الكنيسة على السياسة. أو لنقل أنه حزب لكل المتمردين على كل شئ. واستطاع الحزب الحصول على مقاعد كثيرة فى كل الإنتخابات، سواء المحلية أو الإقليمية أو العامة. لكنه لم يتمكن من الوصول للحكم.
مع تقدم هذا الحزب اليساري المتمرد، ظهر فى المقابل حزب مواطنون اليميني (رأسمالي إجتماعي) وهو أقل حدة فى رأسماليته من الحزب الشعبي التقليدي، وأقل إرتباطاً منه بالكنيسة، مما جعله منافساً قوياً وبسرعة مذهلة فى كل الإنتخابات. بل أنه إستطاع إستقطاب أعلام سياسية معروفة بيساريتها.
ومع تصاعد الأصوات الإنفصالية فى عدد من الأقاليم، ظهرت أحزاب إنفصالية قومية يمينية، وأخرى إنفصالية قومية يسارية، ترفض معظمها التحالف مع الأحزاب المثيلة لها على المستوى الأسبانى، ترسيخاً لفكرتهم عن الإنفصال عن الدولة الأسبانية. وقد حققت تلك الأحزاب نجاحات فى داخل أقاليمها.
أدى هذا فى عام 2013 إلى إنشقاق جديد فى الحزب الشعبي اليمينى التقليدي، وظهور حزب جديد اسمه صوت الشعب، المصنف كحزب يمينى متطرف (قومي أسباني ديني محافظ رأسمالي). ولم يتوقع له أكثر المتفاءلين أي نجاح، لتوجهاته المضادة لكل ما يجري على الساحة السياسية والإجتماعية الأسبانية. إلا أنه فاجأ الجميع بالأمس، فى أول إنتخابات يخوضها، بحصد 12 مقعداً فى البرلمان الأندلسي المكون من 109 مقعد. وهو ما جعله متحكماً فى مصير حكم إقليم الأندلس. حيث سيتحالف مع الحزبين اليمينيين الآخرين ليحكم اليمين الأندلس لأول مرة منذ نشأة النظام الإنتخابي فى أسبانيا من 40 سنة. ويدعم معنوياً باقي زملائه فى باقى الأقاليم لتحقيق نتائج أفضل أو مماثلة.
إذاً .. يمكن تلخيص خريطة الأحزاب اليمينية الأسبانية الحالية كالتالي: ـ أحزاب إنفصالية رأسمالية دينية محافظة. ـ أحزاب إنفصالية رأسمالية غير دينية. ـ أحزاب أسبانية رأسمالية دينية محافظة. ـ أحزاب أسبانية رأسمالية غير دينية. ـ أحزاب أسبانية رأسمالية تقبل بالدين فى حدود.
أما خريطة الأحزاب اليسارية الأسبانية فهي كالتالى: ـ أحزاب إنفصالية يسارية غير دينية. ـ أحزاب أسبانية يسارية غير دينية.
حزب الوسط الوحيد على الساحة الأسبانية: ـ حزب أسباني وسطي يميل لليسار لا يمانع فى تواجد الدين ويرفض إشراكه فى السياسة
وبالمتابعة والملاحظة .. أرى أن الحاضر والمستقبل القريب فى السياسة الأسبانية، فى صالح الأحزاب اليمينية على إختلافها. شأنها فى هذا شأن باقي الدول الأوروبية. أما المستقبل الوسيط والبعيد .. فسيكون لصالح الأحزاب اليسارية. لأن الأجيال الجديدة متشبعة بالأفكار المتمردة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق