Insignia identificativa de Facebook

Translate

أسبانيا فى خطر .. و .. تطورات أحداث أسبانيا


الخميس 11 مارس 2004، صباحاً

مع حلول ساعة الذروة فى "مدريد" العاصمة الأسبانية، وهى بين السابعة والسابعة والنصف صباحاً، حيث تزدحم كل وسائل المواصلات يومياُ، وتمتلئ عربات القطارات والمترو بالركاب من كل الأعمار وكل المستويات الإجتماعية، فيبدون وكأنهم قطع من سمك السردين المكدسة فى العلب، وهو ما يضطر الكثيرين للتأخير، وانتظار القطارات التالية. تنفجر (إحدى عشر) عبوة ناسفة فى وقت واحد، أو بفارق ثوان معدودة بين إنفجار وآخر، فى قاطرات أربعة قطارات مختلفة، محدثين إنفجارات متتالية، ومسببين قتل 198 شخص فى الحال، وشخصين لاحقاً فى المستشفيات، إحداهما طفلة عمرها سبعة أشهر، رومانية الجنسية، توفى والدها فى الحادث، وأمها لاتزال بين الحياة والموت، كما تتسبب فى جرح حوالى 1500 شخص بإصابات مختلفة الدرجة.جدير بالذكر، أن من بين الضحايا، القتلى، عدد لا بأس به من العرب والمسلمين، يصل إلى حوالى 15 % من العدد الإجمالى، بين طلبة وعمال. إضافة لنسبة أكبر من أبناء الجنسيات الأخرى. وتضرب حالة من الفوضى كل أرجاء أسبانيا، وليس مدريد فقط

على الفور .. يسارع وزير الداخلية الأسبانى (أنخل أثيبس) المنتمى للحزب اليمينى المتطرف الحاكم (الحزب الشعبى) بإلقاء التهمة على منظمة (إيتا) الإنفصالية من إقليم الباسك، ويعدد أسباب إتهامه لها بإرتكاب هذه الجريمة، وفى هذا الوقت بالذات، حيث تستعد أسبانيا لخوض الإنتخابات العامة على رئاسة الحكومة بعد ثلاثة أيام فقط .. أى صباح الغد ـ الأحد .. وهى الانتخابات التى ستؤثر على نتيجتها أحداث كثيرة، منها تورط الحكومة الأسبانية فى حرب العراق، ومنها غرق حاملة البترول اليونانية (بريستيج) على الساحل الأسبانى، ومسئولية تلك الحكومة فى الحادث وما أسفر عنه من كوارث عدة، ومنها السياسة الخارجية لهذه الحكومة وجنوحها لحد التلاصق مع السياسة الأمريكية، وبُعدها تماماً عن السياسة الأوروبية وعرقلتها، وتدهور علاقاتها مع العالم العربى ومع دول أمريكا الجنوبية الحليف التقليدى لها. كذلك تصاعد أصوات الأقاليم الأسبانية الأساسية ومطالبتها بالانفصال عن أسبانيا، بسبب سياسة اليد الحديدية التى إتبعتها هذه الحكومة مع تلك الأقاليم .. فى مقابل .. تحقيق إستقراراً اقتصادياً، وهو ما يهم المواطن البسيط من وجهة نظر هذا الحزب

أراد "أثيبس" بهذه التهمة لـ "إيتا" أن يقوى من موقف حكومته وإعطائها مصداقية فى كل ما اتخذته من إجراءات سابقة ضد أعضاء منظمة "إيتا" وأتباعها، والمتهمون بالإرهاب، حتى صار إسم المنظمة مرادفاً لكلمة إرهاب. وأن الدليل على تلك المصداقية، هو هذا الحادث المروع، الذى لم تشهد اسبانيا مثيلاً له فى تاريخها كله، وتحديداً منذ نهاية الحرب الأهلية الأسبانية 1936 ـ 1939

ويقرر رؤساء الأحزاب وقف الحملة الإنتخابية، ويعلنون حالة الحداد الرسمى فى الدولة لمدة ثلاثة أيام، كما تعلن دول الوحدة الأوروبية، إعتبار يوم (11 مارس) يوم الإرهاب فى أوروبا كلها

وما هى إلا ساعات، ويتصل أحد المُقّنعين بإحدى قنوات التليفزيون الأسبانية، ممثلاً لـ "إيتا"، ليؤكد على أن المنظمة، تدين هذا الحادث، وتعتبره حادثاً إجرامياً، وأن أسلوبها كان دائماً وسيظل، التنبيه مسبقاً والتحذير، وأن أهدافهم دائماً هم أفراد بعينهم، وليس السكان الآمنين

تُكذب الحكومة الأسبانية هذا التصريح، وتُصر على إتهامها لهم. وهو إتهام يخدم مصلحتها الانتخابية

ويقرر الجميع، الخروج فى تظاهرة عامة فى كل أنحاء الدولة. ولم تمنعهم الأمطار التى لم تتوقف طيلة اليوم بغزارة، الكل دون إستثناء، على إختلاف توجهاتهم، للتعبير عن رفضهم لما حدث، وتأبيناً للضحايا، ومطالبةً بالثأر من الفاعلين

قبل المساء بقليل .. تكشف التحريات وجود سيارة نصف نقل فى موقف سيارات محطة القطارات، حيث عُثِر فيها على شريط كاسيت به آيات قرآنية (صنع فى مصر)، وتليفون محمول ماركة ميتسوبيشى (ماركة لا وجود لها فى أسبانيا)، وأجهزة تفجير عن بعد، بعدد التفجيرات. وتأخذ التحريات مَنحَى جديد .. شُبهة "إرهاب إسلامى"

وزير الداخلية يُصر على أنها .. إيتا

بعد ذلك بحوالى ساعة، تصل أنباء الرسالة التى وصلت إلى صحيفة "القدس"، والتى يعلن فيها صاحبها عن مسئولية جماعته (الموالية للقاعدة) عن الحادث، وأنهم قد وصلوا إلى قلب الصليبية الأوروبية

وزير الداخلية، يأخذ الرسالة فى الإعتبار، لكنه يصر على تورط .. إيتا

اليوم التالى

يتدافق الناس من كل حدب وصوب، إلى كل الميادين العامة فى كل أنحاء الدولة، حتى بلغ العدد الإجمالى لحوالى 11 مليون متظاهر، من كل الفئات، يعمهم الغضب، ويطلقون صيحات مدوية ملخصها: .. الثأر

ملحوظة: تعداد سكان أسبانيا حوالى 40 مليون نسمة. أى .. شارك أكثر من ربع السكان، ومن لم يشاركون إما من المسنين أو من الأطفال

وخرجت أيضاً مظاهرات تأييداً للمظاهرات الأسبانية فى عدة عواصم أوروبية أخرى

إستمرت المظاهرات حتى قرب منتصف الليل، ولأول مرة فى تاريخ أسبانيا كله، يتصدر المظاهرات، ولى العهد والأميرات، ويجتمع كل الأضاد السياسيين فى تظاهرة واحدة

فى بعض المدن الرئيسية مثل "برشلونة" وهى تعد العاصمة الثانية للدولة. هاجم عدد من المتظاهرين، ممثلى الحزب الحاكم، وتعرضوا لهم بالسب وحتى الضرب، لمسئولية حكومتهم المباشرة عما حدث

على سبيل المثال: بعض اليافطات والهتافات كانت تقول
"لماذا لدينا إرهاب إسلامى .. الآن؟"
"قمة أثوريس = 200 قتيل من مدريد"
"من هو السفاح الحقيقى؟"

اليوم الثالث .. اليوم 13/3/2004

اليوم، هو اليوم السابق للإنتخابات العامة، وحسب القانون الأسبانى، تُمنع جميع أنواع الدعايات الإنتخابية فى هذا اليوم، لضمان عدم تأثير أى مرشح على أصوات الناخبين فى اللحظات الأخيرة، ويعتبر يوماً للمراجعة .. إضافة لذلك .. وبسبب ما اتفقت عليه الأحزاب بسبب الحادثة، توقفت الدعاية الإنتخابية رسمياً منذ يوم الخميس

نشرات أخبار معظم القنوات الإذاعية والتليفزيونية المستقلة (وليست الحكومية)، تنسب إلى مصادر رسمية رفضت الإعلان عن أسمائها، أن التحقيقات قد أكدت تورط "إسلاميين" فى الحادث، وأن 90 % من رجال التحقيقات، يسيرون فى خط الإسلاميين

وزير الداخلية "أثيبس"، ورئيس الوزراء "أثنار" .. يصران أمام الصحفيين، على أن المتهم الأساسى هو "إيتا"، وأن 90 % من المحققين، يعملون فى اتجاه "إيتا" .. مع ملاحظة أن: هذا الخط يخدم مصلحتهم الانتخابية يوم غد الأحد

ينتشر الخبر الحقيقى بين الناس عبر شبكة انترنت حيث يوجد جهاز كومبيوتر واحد على الأقل فى كل منزل، وكذلك عبر
رسالة مكتوبة على التليفونات المحمولة .. فينتقل بسرعة هائلة بين الناس، ويعم غضب من نوع آخر هذه المرة

لا يجد وزير الداخلية بداً من قول بعض الحقيقة .. فيعلن حوالى الساعة الثامنة مساءً، عن القبض على 7 أشخاص
مشتبه فيهم

3 يحملون الجنسية المغربية
2 يحملون الجنسية الهندية
2 يحملون الجنسية الأسبانية ومن أصل هندى

وجميعهم من المسلمين المشتبه في تورطهم فى الحادث. وأن الإتجاه العام عند المحققين الآن، هو فى إتجاه الجماعات
الإرهابية المتطرفة الإسلامية .. حسب نص تعبيره .. ويكشف عن أحد التفاصيل، فيوضح أن التفجيرات تمت عن بعد، وبواسطة تليفون محمول .. يرن، فتنفجر العبوة الناسفة

لكن هذا التصريح .. لم يشفع لحكومته شيئاً .. فقد أثارت الرسائل المتبادلة عبر المحمول وعبر شبكة انترنت، كل الناس .. فخرجوا منذ عصر اليوم بشكل تلقائى، ليتجمعوا أمام مقار "الحزب الشعبى" الحاكم، فى كل مدن أسبانيا، منددين بالحزب، وبسياسته، ومتهمين قادته بأنهم السبب وراء ما حدث. وتحدث بعض أعمال عنف بين أنصار الحزب وبين المتظاهرين الذين يتزايدون بشكل غير عادى، حتى لحظة كتابة هذه السطور، رغم عدم شرعية التظاهر اليوم بسبب الإنتخابات، والذى دفع بخليفة "أثنار" والمرشح على رئاسة الوزراء عن الحزب الشعبى (ماريانو راخوى) ,, للطلوع أمام عدسات التليفزيون منذ دقائق، متحدياً بدوره قانون الانتخابات الذى يحظر ظهوره فى هذا اليوم، ليهدد باقى أحزاب المعارضة، بإلغاء إنتخابات صباح الغد، إن لم تنسحب تلك التظاهرات فوراً، لإتهامهم بأنهم هم المحفزون لتلك التظاهرات(المستمرة الآن) بشراسة وبأعمال عنف وبتزايد أمام مقار حزبهكثير من المحللين .. يحذرون الناس الآن عبر وسائل الإعلام، بأن هذا الحادث، وهذا الموقف الخطير، إن لم يتوقف بسرعة، قد يصل بالبلاد "لحرب أهلية" جديدة .. تعرف أسبانيا معناها تماماً، فقد عاشتها فى الثلاثينيات، وتعانى أثرها حتى اليوم .. يقولون .. أنه لأسباب مشابهة تماماً لما يجرى فى هذه اللحظات .. إندلعت الحرب الأهلية آنذاك .. ويرجون الناس أن يتذكروها .. وأن يلتزموا الحرص والحذر قبل أن ينفلت زمام الأمور

آخر خبر 

ظهر وزير الداخلية فى مؤتمر صحفى عاجل، قرب منتصف الليل، ليعلن الآتى

فى الساعة السابعة و40 دقيقة مساء اليوم، تلقت الشرطة إتصالاً هاتفياً يشير إلى رسالة صوتية مسجلة على شريط كاسيت فى أحد سلات القمامة. تم سماع الشريط وتحليله بواسطة خبراء وزارة الداخلية الأسبانية، وخبراء من دول أخرى صديقة (منذ الساعات الأولى، سبق له أن أعلن عن وصول فرق خاصة من كل من إسرائيل والولايات المتحدة) وكان المتحدث فيه، يتحدث اللغة العربية، وتبين من الصوت أن الشخص عربى يتحدث بلهجة مغربية، وقال فى الرسالة، أنه يؤكد على مسئولية "القاعدة" لما حدث، وأن هذا هو رد "القاعدة" على تدخل أسبانيا فى حربى أفغانستان والعراق، وأن من راحوا ضحية هذا الحادث، قد راحوا فى مقابل ضحايا أفغانستان والعراق

من ناحية أخرى .. تستمر المظاهرات بنفس السخونة أمام مقار الحزب الشعبى (الحاكم) .. بهتاف متكرر يقول
"الموتى موتانا .. والحرب حربكم"
وتتوالى تصريحات المتحدثين الرسميين للأحزاب المتنافسة/ ويتهم كل منهم الآخر بالكذب والتضليل

هزيمة أثنار

(الحادية عشرة والربع مساءً)
إنتهى فرز أصوات الناخبين الأسبان منذ 15 دقيقة فقط .. وأعلنت هزيمة "الحزب الشعبى (اليمينى) الحاكم، بعد حكم 8 سنوات متتالية .. أى دورتين متتالتين

وأعلن أيضاً عن فوز الحزب المنافس وهو "الحزب الإشتراكى العمالى الأسبانى" بقيادته الجديدة. ليكون الرئيس الأسبانى الجديد للأعوام الأربعة القادمة هو: خوسيه لويس رودريجث ثاباتيرو .. وتنتهى بذلك رئاسة (خوسيه ماريا أثنار) وحزبه .. وهو من دفع بأسبانيا بعيداً عن المجموعة الأوروبية، وتجاه قرينه الأيديولوجى (جورج بوش) فى الولايات المتحدة. وهو أيضاً من زج بأسبانيا فى حرب إحتلال العراق رغم أنف الشعب الأسبانى وبرلمانه، وكان ثالث (عصابة) إجتماع جزيرة أثوريس فى مارس 2003 (بوش ـ بلير ـ أثنار) الذين قرروا فيه ميعاد ساعة الصفر لقصف العراق فى نفس الشهر من العام الماضى. وأفسد العلاقات الأسبانية العربية، التى تميزت دائماً بالتعاون والتفاهم حتى فى العهد الديكتاتورى السابق، عهد الجنرال فرانكو، علماُ ـ وهذا هو الغريب ـ أن "أثنار" وحزبه، ينتميان إلى نفس مدرسة "فرانكو". لكنه ذهب بعيداً جداً بأفعاله، وبخاصة فى السياسة الخارجية عما فعله "فرانكو" فى وقته

أول تصريح للرئيس الجديد للحكومة الأسبانية: خوسيه لويس ثاباتيرو

(القوات الأسبانية ستغادر الأراضى العراقية بالكامل فى 30 يونيو القادم)

.............

حسناً .. إنتهت المقالات الإخبارية الخاصة بالتفجير المتزامن مع الإنتخابات فى أسبانيا. وبقى أن ألقى بعض الضوء على الحالة الأسبانية بشكل مبسط، فهى حالة غاية فى التعقيد، لحد عدم استطاعة أى ناقد أو محلل سياسى محترف، أن يتنبأ أبداً بما سيحدث فيها فى الفترة القادمة

(يتبع) ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق