Insignia identificativa de Facebook

Translate

هل تعديل الدستور، معركة؟


6/2/2019



لا أرى معركة أساساً ليتصدى لها البعض وكأنها مسألة حياة أو موت فقط أراها معركة فى خيال أصحاب الرأي المعارض والرافض دائمأ وأبداً فكيف لهم أن يصفونها بالمعركة في حين أنها لا تعدو إختلافاً على رؤية مجموعة من المواطنين مقابل رؤية أخرى لمجموعة أخرى، هي الأكبر عدداً بالمناسبة؟
في مقالي هنا، والذي سبقه مقالات أخرى منشورة فى أماكن مختلفة، على مدار عقدين من الزمن على الأقل، أؤكد دائماً على وجهة نظري الشخصية فى ماهية الدستور وكنهه والغاية منه. بل وضرورته من عدمها بالنسبة لشعب بعينه فى دولة بعينها اسمها مصر.وأؤكد دائماً أن مصر بخصوصيتها، لا تحتاج إلى دستور. فلديها ما يكفى ويزيد من الأعراف والتقاليد والقوانين والموروثات اللاتى تؤسسن لدولة ذات شأن. وأقول أيضاً أنها لن تكون حالة فريدة إن تخلت عن الدستور .. فبريطانيا العريقة لا تسير بدستور. وكذلك نيوزيلاندا ودول أخرى عديدة.
أما إن أراد بعض المعارضين لنظام الحكم القائم فى مصر، تأسيس نظاماً غريباً على مصر وشعبها، تحت مُسمى الحداثة أو أي تسمية يختارونها. فالأمر بسيط .. عليهم أن يعرضوا على الملأ نظاماً نموذجياً من وجهة نظرهم، ليرى الجميع إمكانية ملاءمته من عدمها مع دولتنا وشعبنا. مع ملاحظة أن أعظم الدول الأوروبية حالياً وهى ألمانيا .. لا تحدد عدد مرات الرئاسة. فميركل منتخبة للفترة الرابعة على التوالي.ومع ملاحظة أن الصين، أعظم دول العالم إقتصادياً وصناعياً وثقافياً، لا يوجد بها ترشح ولا فترات حكم من أساسه.ومع ملاحظة أن الولايات المتحدة، أعظم دول العالم علمياً وعسكرياً إلخ. إستثنت قاعدة الترشح مرتين فقط مع شخص مثل الرئيس روزفلت.ومع ملاحظة أن تركيا التى يضرب بها البعض المثل حالياً، وبكل أسف .. ليس لديها تحديد لعدد مرات الترشح.ومع ملاحظة أن بلير فى بريطانيا. حكم لأكثر من 12 أو 14 سنة متتالية. الخلاصة .. أن الأمثلة من نفس النماذج التى يريدوننا أن نحتذيها ..كثيرة. فليختاروا منها وليعرضوها علينا.
وفى المقابل لا يجب عليهم أن ينسوا .. أن برلسكونى إيطاليا، وساركوزي فرنسا .. وغيرهما .. إلتزموا بالفترتين "وبهدلوا" بلادهم. وإلى اليوم يعانوا من آثارهم.
وبالتالى .. فإن تبادل السلطات المرجو .. لا يعني إطلاقاً المعنى العقيم الذي يروجه البعض وهو (أنا اليوم وأنت غداً والآخر بعد غد) .. هى ليست لعبة الكراسى الموسيقية .. ولا يجب أن تكون هكذا .. فلا يجب أن نضع مصير الشعب ـ أي شعب ـ تحت رحمة لعبة الكراسى الموسيقية .. ولا يجب كذلك أن نترك مصير الشعب تحت رحمة إختياراته الغير واعية فى أغلب الأحيان
ونعم، الشعب غير واعي بمصلحته .. والدليل هو إختياره لمحمد مرسي. ومن قبله إختياره لرئيس الوزراء عصام شرف .. ومن قبله إختياره للفاسدين من الحزب الوطني .. ومن قبلهم إختياره للصمت حين كان يجب عليه الكلام مع كل حالة فساد تقابله .. وإختياره للثورة فى أحداث يناير 77 حين كان يجب عليه الإنصياع والقبول. وإختياره الإستمرار فى الميادين، وقت كان عليه الإستجابة والإنتظار ستة أشهر فقط لا غير فى 2011 الشعب لا يعرف إلا "بطنه" وإحتياجاتها. وعندما تحدث له المصائب نتيجة لهذا، يصرخ رافضاً الحاكم أياً كان اسمه. فلا يمكن وهذا هو واقع وحقيقة الشعب، أن يطالب البعض بلعبة الكراسي الموسيقية لمنصب كمنصب رئاسة الدولة.
ومع هذا وغيره الكثير .. ورغم إعتراضي الشخصي على فكرة وجود الدستور، إلا أنهم سيعملون حالياً ومستقبلاً من خلال دستور .. وبدون أن أقرأ الطالع .. أؤكد .. على أنهم سيضعون بكل أسف، مدة محددة لمنصب الرئاسة، وعدد محدد لمرات شغل المنصب من نفس الشخص.
وبالمناسبة .. أقترح على أولئك الرافضين، القيام برحلات لقرى وكفور ونجوع مصر. من شمالها لجنوبها .. ليتأكدوا حينئذ من أن الكلام عن مصر يكون فاسداً وغير صحيح، إن كانت القاهرة والأسكندرية فقط، هما الترمومتر والمقياس للحديث عنها. شعب مصر، يختلف عن شعب ليفربول وعن شعب برشلونة وشعب ميلانو ... فلا يجوز أبداً أن تُفرَض عليه شرائع وقوانين وأنظمة حياة تلك الشعوب. والله أعلم

الدستور

3/2/2019

مرة أخرى أكرر آرائى عن الدستور

ليس صحيحاً أن كل الدول المتحضرة تسير بدستور ثابت مكتوب وافقت عليه شعوبها. فبريطانيا العظمى مثلاً، وهى أم الحضارة الحديثة كما يدّعون، ليس بها دستور.

أما وإن كان العامة، الذين تشربوا فكرة أن الدستور هو الروح بالنسبة للدولة، مصرون على أنه ضروري وأن بدونه لا تسير البلاد. فليكن. وليكون لدينا دستور.

هذا الدستور، يجب أن يراعي خصائص الشعب الذي سيحكمه، وتاريخه وجغرافيته وثقافته. فلا يجوز ولا يليق أن يُطبَق دستور شعب على شعب آخر مختلف كل الإختلاف عنه. فإن حدث هذا النسخ، فسيفشل فشلاً ذريعاً. وسيؤدي إلى كوارث مجتمعية وسياسية وإقتصادية وثقافية لا تُحصى.

ولدينا أمثلة؛ كدستور ألمانيا الذي يختلف تماماً عن دستور جارتها فرنسا، التى يختلف دستورها تماماً عن دستور جارتها أسبانيا، وكلهم يختلفون تماماً عن دستور حليفتهم الولايات المتحدة الأمريكية .. وهكذا .. لأن كل شعب منهم رغم تشابههم، له سماته الخاصة التى تميزه عن غيره من الشعوب.

الدستور المصري الحالي، هو دستور مشوه لا يليق بمصر ولا يراعي ظروفها الخاصة. تمت الموافقة عليه فى 2014 للضرورة فى حينه. وفى ظرف أني محدد. وقد أدى دوره وانتهى الأمر. ووجب التفكير جدياً وسريعاً فى إعادة النظر فيه.

رأيي الشخصي ـ ولن أمل من التكرار ـ أنه لا داعي لوجود الدستور. فالتشريعات والقوانين كافية لتسيير البلاد على الوجه الأكمل ـ مرة أخرى ـ كما فى بريطانيا العظمى وغيرها.

لكن لو كان ولابد من وجوده .. فليكن مختصراً لا يزيد عن عشرة أوعشرين فقرة لا غير. يتحدد خلالهم اسم الدولة وحدودها السياسية وشكل نظام الحكم السياسي فيها، وطريقة الوصول إليه وتطبيقه، من رئاسة ومجالس إستشارية ونيابية وتنفيذية ورقابية. وصفات المواطنة فيها بحقوقها وواجباتها.

أرى أيضاً، أن الأنسب لمصر هو النظام الرئاسي كامل الصلاحيات، وليس منزوع الصلاحيات كما هو الآن.

وأرى أن تحديد مدة الرئاسة بأربع سنوات فقط، قد تصلح في دولة مستقرة تماماً وأركانها ثابتة ومكتملة فى كل المجالات، وليست معرضة لمخاطر أمنية من أي نوع ـ وهو ليس حال مصر حالياً ـ فيجب إطالة مدة الرئاسة لتجنب التخبط فى السياسات مع تغير القيادة. بأن تكون من 5 إلى 10 سنوات حسبما تتفق عليه الغالبية.

كما أرى أن تحديد مرات الرئاسة هو أمر سخيف لا معنى له. فلو كان الرئيس ناجحاً ومقبولاً من الشعب، فلماذا لا يستمر؟
كذلك أرى أن فكرة الإنتخابات العامة، فكرة فاشلة تماماً.فكيف لمزارع، أن يختار جيداً الأصلح فى سياسات التعليم؟؟ وكيف لتربوي، أن يختار جيداً الأصلح فى السياسات الزراعية؟؟ وهكذا فى كل المجالات !! كيف لجاهل بمعنى الأمن القومي وبأولويات وضروريات الأمن القومي، أن يختار قائداً للأمن القومي؟؟

لذا؛ يجب أن يكون التصويت الشعبي لكل فئة فى مجال تخصصها فقط. لإختيار أعضاء المجالس التشريعية.

أما رئيس الدولة، فيكون ترشيحه من قِبَل أعضاء المجالس التشريعية والإستشارية والرقابية. لكونهم الأكثر علماً وتمرساً فى السياسات العامة. والأكثر دراية بالأصلح لتولي تلك المهمة.

ويجب عدم إغفال دور المخضرمين وأصحاب الخبرات الطويلة. بإشراكهم في مجلس المخضرمين أو مجلس الشورى أو مجلس الشيوخ أو كيفما يسمونه. على أن يكون أعضائه منتخبين شعبياً ـ كلٌ حسب فئته المهنية التى ينتمي إليها ـ بحيث يكون مجلسهم قاصر فقط على من أنهوا عملهم العام بحكم كبر السن، وبشرط التأكد طبياً من سلامة قواهم العقلية وقدرتهم على العطاء، للإستفادة منهم في تقنين القوانين التى تخرج من المجلس التشريعي (البرلمان).

أما باقي التفاصيل التى إزدحمت بها دساتير مصر بعد دستور 23 وإلى اليوم .. فلا معنى لها. وأعظم نتائجها الواضحة حتى اليوم، أنها عرقلت مسيرة الدولة لعقود كاملة.

والله أعلم

أزمات الحكومة الأسبانية في عامين


28/12/2018
مع بدء إحتفالات الشعب الاسباني بأعياد الميلاد ونهاية سنة وبداية عام جديد. قرر بدرو سانشِث رئيس الوزراء الاسباني، عقد إجتماع حكومته يوم 21 ديسمبر الجاري، فى مقرها البرشلوني وليس فى مقرها الدائم فى العاصمة مدريد ـ لأول مرة منذ 40 سنة ـ وأقرن الإجتماع بإجتماع آخر ثنائى يجمعه مع رئيس إقليم كتالونيا الاسباني جواكيم تورا، وهو شخصياً أحد زعماء الإنفصال بإقليمه عن اسبانيا هذا القرار أتى قبل موعد الإجتماع بأيام وبشكل مفاجئ، أذهل جميع أطراف الصراعات الداخلية الاسبانية العديدة، وعلى رأسها صراع الإنفصال المستعر منذ أكثر من سنة فى إقليم كتالونيا الواقع شمال شرق اسبانيا جنوب الحدود الفرنسية

المغزى من قراره كما وصفته المتحدثة باسم الحكومة، هو التأكيد على سيادة أسبانيا على الإقليم الكتالاني من جهة. وإظهار مشاعر الود للشعب الكتالاني ـ وبخاصة ـ الإنفصاليين منهم من جهة أخرى. وبأن اللقاء الثنائي هو للتأكيد على رغبة االحكومة فى حل مشاكل كتالونيا بشكل ودي داخل إطار الدستور الاسباني. فور الإعلان؛ قررت الجماعات الإنفصالية الكتالانية تحركاً فى نفس ذات اليوم، للسيطرة على مفاصل الإقليم. بقطع الطرق وإيقاف المواصلات وإحتلال الأماكن الحكومية والتظاهر والإعتصام ونشر الأعلام واللافتات الإنفصالية، التى منها ما يهين الدولة الاسبانية. وبدأوا التحركات فعلاً قبل الموعد بحوالى أسبوع على نطاق محدود. تزايد مع مرور الوقت وصولاً لأقصاه يوم 21 من ناحية أخرى، عززت الدولة إجراءاتها الأمنية فى الأماكن العامة والحساسة، ودفعت بالآلاف من القوات الأمنية لضمان ذلك. وجاء اليوم الموعود ـ حيث شهد بعض أعمال العنف، أدت إلى إصابة 65 شخصاً، 35 منهم من قوات الأمن. إضافة إلى تعرض بعض الصحفيين والمراسلين لقنوات تليفزيونية اسبانية للإعتداء بالضرب والإهانة من قبل الإنفصاليين. كما أدى إلى تعطيل المرور وغلق الشوارع الكبيرة والمتاجر في عدد لا بأس به من مدينة برشلونة وبعض المناطق الأخرى من الإقليم الكتالاني. ألقت المتحدثة بإسم الحكومة بياناً صحفياً عقب إنتهاء الإجتماعين. تحدثت فيه بلهجتها الهادئة المعروفة عنها، عن إيجابيات اليوم ـ وكأن شئ آخر لم يحدث ـ وكان مضمون ما أعلنت، مجرد قرارات وزارية عادية. أضافت إليها تعليقاً وحيداً عن لقاء سانشِث بتورا، وهو أنهما إتفقا على لقاء آخر فى شهر يناير يحضره ممثلين عن الحكومة الأسبانية والحكومة الكتالانية. إضافةً لكلام عن التفكير فى تعديل الدستور الأسباني، وكذلك إعطاء مزيد من الإستقلالية لإقليم كتالونيا. هذا البيان جعل الأحزاب المعارضة تشتاط غضباً أكثر من ذى قبل. لأنهم اعتبروه تخاذلاً وإستسلاماً لمطالب الإنفصاليين الإنقلابيين. وإنهاء للسيادة الدستورية على أرض اسبانية. وكرروا مطالبتهم لرئيس الوزراء بإجراء إنتخابات رئاسية فوراً. فهو رئيس مؤقت لتسيير الأمور فقط. أتى بعد عزل الرئيس السابق راخوي منذ أقل من سنة. والذي تم عزله برلمانياً لكثرة فضائح الفساد بين أعضاء حكومته وحزبه. والذين صدرت أحكام قضائية بشأن بعضهم. وعليه، فلا يحق له ـ أي لسانشِث ـ الإستمرار لنهاية الدورة الإنتخابية الحالية. خصوصاً مع قراراته فى شتى الأمور، التى لم يوافق على أي منها حتى الآن، لا البرلمان ولا مجلس الشيوخ. وبالأخص، سلوكه مع قادة الإنفصال فى كتالونيا. الذى يعتبرونه مهيناً لأقصى درجة. ومن شأنه إنهاء الدولة الاسبانية بوضعها الحالي. وطالب الحزبان الأكثر شعبية فى اسبانيا حالياً ـ وهما حزبان يمينيان ـ بتطبيق البند 155 من الدستور على إقليم كتالونيا من جديد. بصرامة أشد من ذي قبل. وهو البند الدستوري القاضي بوقف صلاحيات الحكم الذاتي فى أي إقليم يخرج قادته عن سيطرة الدولة الاسبانية. ومن داخل كتالونيا، تقدمت أريماداس زعيمة الحزب صاحب الشعبية الأكبر فى كتالونيا حسب نتائج آخر إنتخابات. وهو حزب مواطنون، الدستوري المناهض للإنفصاليين، بدعوى قضائية ضد تورا الرئيس الكتالاني، لاحتضانه الجماعات الإنفصالية المشاغبة ودعمه لهم وإثارتهم وحثهم على مزيد من الضغط بكل الوسائل ضد اسبانيا ومؤيديها داخل كتالونيا. بهذه الأزمة الكتالانية الخطيرة، التى لا نهاية سلمية منظورة لها، إلا بحل يسفر عن بقاء الإقليم، كجزء لا يتجزأ من الدولة، وفى نفس الوقت، يوفر للإنفصاليين حلولاً لمشاكلهم الحياتية، تثنيهم عن فكرة الإنفصال ـ ولو مؤقتاً ـ يعيش بدرو سانشِث وحكومته الإشتراكية المؤقتة، هاجس الإطاحة به وبحزبه من الحياة السياسية كلها فى أي لحظة. ويُضاف إليها؛ أزمة الحكومة والنقابات العمالية من جهة، وباقي الأحزاب داخل البرلمان من جهة أخرى، حول قرار زيادة الحد الأدنى للأجور والمعاشات، بينما معدل النمو الإقتصادي لم يزد. ويُضاف إليها مشكلة زيادة الضرائب لتغطية العجز فى الميزانية. وكذلك مشكلة المهاجرين غير الشرعيين المتزايدين بصورة غير مسبوقة فى أسبانيا. ومشكلة إرتفاع معدل البطالة. وأزمة السيادة على مدينة جبل طارق، التى تحتلها بريطانيا منذ قرون ولا تكف أسبانيا عن المطالبة بها. والتى كانت هادئة نسبياً فى ظل الإتحاد الأوروبي الذي يلغي الحدود السياسية والتعريفة الجمركية بين الدول الأعضاء. لكنها احتدمت بإعلان بريكست القاضى بخروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبى ... وغيرها من المشكلات .. فمنذ أن نجح بدرو فى جمع أصوات المعارضة لإقالة رئيس الوزراء السابق مانويل راخوي في الربع الأول من هذا العام 2018 وإعتلاء المنصب. لم يتمكن من تمرير أي من برامجه وخططه عبر البرلمان. ولا عبر مجلس الشيوخ. واضطُر لتمرير بعضها بقرارات وزارية حسبما يتيح له الدستور. فالواقع هو أن شعبية الحزب الإشتراكي العمالي الذى يتزعمه سانشيث حالياً، فى تدهور كبير منذ سنوات. وهي حالياً فى أسوأ مستوياتها. وخصوصاً بعد ظهور حزبين جديدين منذ قرابة العشر سنوات. هما حزب مواطنون اليمينى، وحزب قادرون اليساري. واللذان يتنافسان على إستقطاب جماهير الحزبين التقليديين فى أسبانيا، وهما الحزب الإشتراكي العمالى، والحزب الشعبي. ولهذا التدهور في شعبية حزبه، كان عليه أن يلجأ إلى الأحزاب الإنفصالية الكتالانية والباسكية، بما لديهما من شعبية وأصوات كبيرة نسبياً داخل البرلمان الأسباني. إضافةً إلى رفعه شعار "نحن اليسار" ليقنع بابلو إجليسياس زعيم حزب قادرون الشيوعي الصاعد بالتحالف معه. وبقدر ما نجحت تلك التحالفات فى ربيع 2018 فى إقصاء الحزب الشعبي عن الحكم، إلا أنها أقلقت غالبية الشعب الأسباني الذي لا يرغب فى تمكين أو حتى مهادنة من يسعون لإنفصال أي جزء من أراضيه، وهو ما يسعى إليه الإنفصاليون الكتالان والباسك صراحةً. وكذلك الثوريون الراغبون فى إنهاء الحكم الملكي والتحول إلى الحكم الجمهوري. فكان هذا التحالف ذاته، هو الأمر الذي عرقل وسيعرقل حكومة الحزب الإشتراكي الحالية، سواء فى السياسة الخارجية أو الداخلية. بل أكثر من هذا؛ لا يألو الحزب الشعبي المعزول عن الحكم مؤخراً، بما له من شعبية كبيرة فى أنحاء اسبانيا، ولا حزب مواطنون الصاعد بقوة ملفتة، على طلب إجراء إنتخابات مسبقة، وعدم إنتظار نهاية الفترة الرئاسية المعتادة. ولأن قرار إجراء الإنتخابات المسبقة، لا يصدر إلا من رئيس الوزراء أو من الملك. فمن غير المتوقع أن تُجرى قبل موعدها المحدد فى 2020 ـ إلا إذا ـ تمكنت القوى الرافضة لإستمراره من حشد الجماهير فى الشوارع. أما إقليم كتالونيا الذي يسعى بعض مواطنيه إلى الإنفصال، فالأمر يزداد تعقيداً بمرور الوقت. حيث كان المؤيدين داخله للإنفصال منذ عام واحد، أقلية مطلقة. لكن مع تصاعد الأحداث، ومع بلوغ المراهقين لسن التصويت، فقد إقتربوا اليوم من نسبة الخمسين بالمائة. وهو ما يعني زيادة فرصتهم فى تمرير الإستفتاء على الإنفصال لصالحهم، فى حال إجرائه بعد شهور. وهو أمر إن حدث، فلن يقبل به باقي الشعب الكتالانى ولا الشعب الأسباني ولا باقى الأحزاب ولا الملك. بل ولا حتى الإتحاد الأوروبي. وقد يؤدي إلى صدامات دموية عرفها الشعب الأسباني ولا تزال حاضرة فى ذهنه، فى حربه الأهلية التى استمرت ثلاث سنوات بين 1933 ـ 1936 وانتهت بملايين الضحايا وبتدمير كامل للبلد. جدير بالذكر، أن سياسة الحزب الإشتراكي الذي تمرس فيه بدرو سانشِث، تعتمد على المهادنة والمماطلة والتأجيل وكسب الوقت. لكن هذا لا يُرضي باقي الأحزاب، حيث يروا أن تلك المماطلة، فرضت على سانشِث تنازلات للإنفصااليين، غير مقبولة إطلاقاً. وأيضاً مرفوضة من الإنفصالين أنفسهم، لأنهم يروا أنها تعطيل لمطالبهم، واللاتى على رأسها الإفراج عن المسجونين بتهمة محاولة الإنقلاب على الدستور والحكم. والمتوقع هو إستمرار حالة عدم الإستقرار السياسي فى كتالونيا خلال العام القادم 2019 نظراً لعناد رئيس الوزراء الاسباني سانشِث، وإصراره على الاستمرار فى الحكم لنهاية الدورة الإنتخابية. مع إستمرار معارضة الأحزاب المعارضة لقراراته داخل البرلمان، مما سيعطل غالبية الإتفاقات التى قد يتخذها سانشِث مع تورا. وبالتالي ستستمر المشاحنات بين الإنفصاليين والدستوريين داخل الإقليم. بل قد يزداد فيه التوتر، لأن الدستوريين قد فاض بهم الكيل من سخافات الإنفصاليين. وبدأ بعضهم ينضم لجماعات يمينية متطرفة منادية بالقومية الأسبانية على غرار النازيين الجدد وغيرها فى بلدان أخرى. وهي فرضية ظهرت إرهاصاتها خلال هذا الشهر الجاري "ديسمبر"، حينما فاز حزب صوت الشعب بعدد لا بأس به من المقاعد فى إنتخابات إقليم الأندلس الذي كان الحزب الإشراكي يهيمن عليه تماماً على مدار 40 سنة متتالية. وحزب صوت الشعب هذا، مُصنف على أنه يميني عنصري متطرف. وتفسير نجاحه فى منطقة نفوذ الحزب الإشتراكي، هو غضب وسأم المواطنين من سياسات الإشتراكيين. وناقوس إنذار لهم بتوالي سقوطهم فى باقى المقاطعات السبعة عشر المكونة للمملكة الأسبانية. والتى تتأرجح شعبيتهم فيها دائماً وليست ثابتة كإقليم الأندلس. أغلب الظن إذاً، أن الجدل السياسي الداخلي المضطرب فى اسبانيا سيستمر عاماً آخر، أى لنهاية 2019. لكنه قد يشهد أحداث مثيرة وتاريخية، كتعديل بعض بنود الدستور. وكفوز حزب مواطنون اليمينى الصاعد فى إنتخابات المحليات لأول مرة. أو على أقل تقدير، سيتربع على مقاعد المعارضة الأقوى فى كل الإنتخابات القادمة. وسيشاركه الحزب الشعبي فى معظم الحالات لتقارب أيديولوجيتهما. بينما سيقف حزب قادرون مع الحزب الإشتراكي بين المركزين الثالث والرابع. بإستثناء إقليمي كتالونيا والباسك، حيث سيكون للأحزاب الإنفصالية دوراً ومركزاً هاماً فيهما كعادتهما. وكما تحولت معظم البلدان الأوروبية مؤخراً إلى الأحزاب اليمينية الرأسمالية المحافظة، ستسري نفس الموجة فى أسبانيا خلال العام الجديد.