Insignia identificativa de Facebook

Translate

إنتخابات هوليودية


يونيو 2003

الموضوع لا يهمنى .. وأتصور أنه لا يهم أى عربى كثيراً .. لكنى بنى آدم، وكل ابن آدم خطائين ... فوقعت فى فخ المؤثرات الإعلامية، وتخيلت أنى لو لم أدل بدلوي فى الموضوع، فسأكون شاذاً، وسينظر لى الجميع بقرف وإشمئزاز .. حتى أنا نفسى، لن أستطيع مواجهة نفسى فى المرآة كل صباح!! لذا قررت أدلو وربنا المستعان.

بمناسبة موسم الإنتخابات الأمريكية الهوليودية .. وبنظرة سريعة على المرشحين للرئاسة وبرامجهم حسب ما يصلنا من أخبارهم

أعتقد أن كلاً من الجمهوريين والديموقراطيين، وهما الحزبان المسيطران دائماً هناك .. هما حزبان ينتميان إلى الرأسمالية اليمينية .. الخلاف بينهما ينحصر فى ثلاث نقط فقط هم:

ـ التمسك بالتمسح بالشكل الديني، والدين المقصود هنا هو "العقيدة البروتستانتينية" .. وفى هذه النقطة، يتشدد الجمهوريين.أكثر 

ـ السياسات الإقتصادية والإجتماعية، وفى هذه لا يختلفان كثيراً، وإن كان الديموقراطيين أكثر مرونة.

ـ السياسة الخارجية، وهى أقل ما يهتم به شعب الولايات المتحدة ولا تؤثر كثيراً على نتائج الإنتخابات، وفيها يصر الجمهوريين على زعامة العالم بأى وسيلة وإن لجأوا للقوة، أى بإستخدام أقصر الطرق .. بينما يلجأ الديموقراطيين إلى المفاوضات والمؤامرات للوصول لنفس الغاية، وتكون القوة العسكرية آخر إختياراتهم. 

هذه على حد علمى، هى الفروق الرئيسية بينهما ..

أما باقى الأحزاب والمرشحين المستقلين، فلا أعرف عنهم شيئاً فهم متغيرون فى كل جولة إنتخابية. ولم ولن يصل أى منهم للبيت الأبيض، قبل نصف قرن من الزمان فى أفضل وأكثر التقديرلت تفاؤلاً.

ومن معلوماتى البسيطة تلك عن الحزبين، ولو كنت ممن يملك حق التصويت هناك، فلن يكون صوتي لأي منهما .. سأبحث عن حزب ثالث يحمل آمال العرب والمسلمين، أو على الأقل .. آمال من يعيشون منهم فى الولايات المتحدة .. حتى ولو كانت خسارته محتومة ... سأرشحه.
عل وعسى. 

2ـ العودة .. والخبطة الأولى


يونيو 2003

العودة

بعد خروجى لهذه الرحلة الطويلة، والتى لم تكن متوقعة فى البداية، حرصت على الإلمام بأكبر قدر من عادات وتقاليد الشعب الجديد الذى أحيى وسطه.

قارنت بين مصر وبين كل ما أرى، بين طباع الناس هنا وهناك. (وهناك تلك؛ لا تعنى بلد واحدة، بل عدة بلاد) وتذكرت دائماً مقولة وأغنية .. مقولة الإمام محمد عبده حين قال أنه وجد "فى بلاد الفرنجة مسلمين بدون إسلام"، وأغنية زكريا احمد التى يبدأ مطلعها قائلاً:"حاتجن ياريت يا إخواننا .. مارحتش لندن والا باريس). وظل كلاً منهما ملازماً لى وحتى هذه اللحظة.


غرقت فىأحلامى بأن أرى بلدى مثل ما رأيت فى كل مكان خارجها، من نظام ونظافة وسلوكيات الناس، وحرية ووعي ونضج فى التفكير ومثله فى التصرف. وكلما طالت مدة بعدى عن مصر، كلما إزداد حنينى لها، وكلما غرقت أكثر فى أحلامى تلك.

وكما عاصرت التغييرات المتتالية والسريعة وبشكل يكاد يكون يومى حيثما أقيم، تصورت أن نفس التطورات تحدث فى مصر، وإعتقدت أنها ستكون أفضل وأسرع، بحكم المخزون الثقافى والتاريخى، وبحكم حالة الإستقرار السياسى التى أقرأ عنها يومياً من خلال الصحف المصرية؛ فلا توجد حرب تأكل أكثر من نصف ميزانية الدولة، كما كانوا يقولون لنا فى الماضى، ولا الشعب يعانى الآن من الأمية بنسبة عالية كما كان منذ نصف قرن. ولا أى شئ من مسببات عرقلة التطور التى نعرف عنها.

لم تكن المرة الأولى التى أعود فيها لمصر خلال سنوات سفري، لكنها بالنسبة لى كانت الأولى، فالمرات السابقة كانت كلها لأسباب أو لمهمات أو لتأدية غرض، لكن لم يحدث أن عدت قبل هذه المرة فقط للعودة، وللجلوس مع الناس وللتجول فى الشوارع .. لأكون كما كنت سابقاً .. فى بلدى وبين أهلى، كانت المرات السابقة لا تتجاوز الأيام القليلة، أو بالأحرى الساعات، وكانت قاصرة على الغرف المغلقة والمكاتب، أما هذه فكانت زيارة طويلة نسبياً وإحتكاكاً شبه كاملاً بالبلد وبالناس.


الخبطة الأولى

لحظة وصولى للمطار الثانى (الجديد كما يطلقون عليه)، طافت الطائرة فترة لا بأس بها فى سماء القاهرة، عارضة بانوراما ساحرة لهذه المدينة بأنوارها المتلألئة ليلاً، كنت سعيداً بالمشهد، لكنى لاحظت تذمر بعض الركاب لطول مدة التحليق إنتظاراً للهبوط، واعتقدنا جميعاً أن المطار مكتظاً بالطائرات المقلعة والهابطة، وكأن كثافة الحركة فيه، هى أكثر من الكثافة فى أى مطاراً دولياً آخراً، وهذا ليس حقيقى بالطبع. فكانت الصدمة الأولى فى إدارة عملية الهبوط للمطار.

توقفت المحركات وبدأنا فى الهبوط على درجات السلم، لأجد أمامه وعلى جانبيه قوات الأمن وقد أحاطوا بالسلم وبالنازلين عليه، وفى يد بعضهم المدافع الرشاشة، ونظراتهم التى تثير الرعب فى قلوب كل الداخلين للمطار .. على الرغم من وجود اللافتة الكبيرة فى أعلى باب الدخول والمكتوب عليها: "أدخلوا مصر إن شاء الله آمنين*" وياله من تناقض!! .. فقد شعرت، كما لاحظت شعور جميع الركاب، بنوع من الرهبة أكاد أصفه بالذعر .. لمشهد هؤلاء الجنود فى إستقبالنا.

لم يكن بالطائرة أكثر من حوالى 60 أو 70 راكباً فقط، نظراً لتوقيت الرحلة، الذى واكب ميعاده قصف العراق، كما لم تكن هناك طائرات أخرى قد وصلت فى نفس الميعاد، فالمطار كان خالياً تقريباً إلا من ركاب طائرتي ومجموعة أخرى وصلت قبلنا وكانت فى إنتظار حقائبها.

أثناء عبورنا من أرض المطار إلى داخل الصالة، كان هناك عدداً يكاد يكون أكبر من عدد الركاب، من قوات الأمن والعمال منتشرين ومتناثرين فى كل مكان. كانوا ينظرون ويتفقدون كل الركاب بأعينهم بشكل فعلاً يثير الرعب رغم تصنعهم عدم الإكتراث .. ووصلنا إلى شبابيك عرض الجوازات .. تلك الأكشاك الممتدة بعرض الصالة، والمفترض أن بكل منها ضابطاً يكشف على الجواز ويختمه بختم الوصول. ولقلة عدد الواصلين؛ تصورت أن الإجراءات وخروجى من المطار سيتم فى لحظات، كما حدث معى فى نفس اليوم فى المطارين الآخرين الذان ممرت بهما فى هذه الرحلة، وكانوا فعلاً ممتلئان بالركابوليس كما هو الحال فى ميناء القاهرة الدولى!!

لكننا إضطُررنا أولاً للإنتظار ما يقرب من ثلث الساعة أو نصفها، حتى وصل أول ضابط جوازات وأخذ مكانه فى هذا الكشك وبدأ عمله.

توجهنا بعد ذلك لإنتظار الأمتعة على سير الحقائب، وياله من وقت .. أكثر من ساعة أخرى ونحن ننتظر، وقد سمعت تذمر الناس من حولى ولهم كل الحق، فبعد عناء السفر لساعات، ليس أنسب من تيسير خروجهم من المطارات، لكن يبدو أن أحداً لا يبالى بهذه النقطة عندنا.

وصل الفرج أخيراً .. أى الحقائب، وحملتها وتوجهت سريعاً إلى باب الخروج.
وهنا يجدر الإشارة والإشادة بإحدى الإيجابيات التى لم تكن موجودة قبلاً، وهى أن المطار قد وفر أخيراً تلك العربات لحمل الحقائب (أظن إسمها تروللى) مجاناً، وأذكر أنى آخر مرة منذ سنوات كان يجب علي دفع 2 جنيه للحصول على إحداها. أو الإستعانة بأحد العمال الحمالين الذين يعرضون خدماتهم بمقابل .. المهم .. وصلت للباب، وعليه أو عنده، كان يقف حوالى 10 رجال من مفتشى الحقائب، وكان أمامى مباشرةً شخصاً ما، يدفع أمامه (3) تروللى بمعاونة أحد الأشخاص، محملين عن زمرة أبيهم .. وتوقعت أننى سأقف فترة أخرى فى إنتظار أن يتم تفتيش أمتعته وحساب الجمارك له، إلا أن .. هذا الشخص الذى كان يعاونه .. ألقى التحية على رجل التفتيش، قائلاً:
ـ "
سلامو عليك يا فولان باشا .. فولان باشا بيسلم عليك .. تؤمر سعادتك بأى خدمة؟ ده أستاذ فولان حبيبنا ولسه جاى"
فيبتسم له المفتش، ويرد عليه التحية .. قائلاً:
ـ "
حمد لله على السلامة يا باشا .. مصر نورت .. أمانة تسلملى على فولان باشا أوى .. من زمان ما بنشوفهوش"
ويتبادلا التحيات والسلامات للحظات وعلى مشهد من الجميع .. عادى .. ثم يمر السيد بعرباته الثلاثة المحملة إلى خارج المطار .. ويأتى الدور علي.

يتفحصنى المفتش من فوق لتحت، ويجس بيده على الحقيبة الوحيدة التى أحملها هى والسمسونايت التى تحمل أوراقى .. ويسألنى إن كنت أحمل ما يستحق الجمركة أو ما يستحق أن أعلن عنه .. فأجيبه:
ـ "
لأ خلاص .. سبت القنابل فى حمام الطيارة قبل ما أنزل، والمطاوى رميتها من الشباك".
فيضحك .. ويقول لى: ـ "حمد لله على السلامة .. إتفضل".

وأخرج أخيراً .. إفراج

يتبع ..


1ـ الخروج



مايو 2003


اليوم .. أبدأ سرد يومياتى فى زيارتى الأخيرة لمدينة القاهرة، قاهرة المعز، عاصمة مصر وعاصمة العرب الغير معلنة.
وكان من المفترض أن أبدأ فى سرد هذه اليوميات والإنطباعات منذ فترة، لكنى لم أكن قد أفقت من تأثيرها بعد، وحتى الآن لازلت أمر بحالة لا أستطيع وصفها، كنتيجة لتلك الزيارة، والتى أتت بعد عدة سنوات من الغياب عنها.
الآن وقد استطعت تجميع الصورة، وربط المشاهد ببعضها البعض، وتحليل شخصى للظروف والأسباب والأحداث، فأتجرأ بكتابتها وعرضها ..
لكن قبل البداية ..
أود التأكيد على أن إنطباعاتى هى إنطباعات شخصية جداً، أى أننى لن أعترض إن إعترض أحد على أى شئ سأذكره. ولن أتعجب إن وافق ما سيأتى فيها إنطباعات أحد آخر .. كما أرجو ألا تكون مملة أو فيها تطويل زائد عن الحاجة.
تحياتى


الخروج

مثلى مثل الكثيرين .. كنت ومازلت أظن أننى أكبر عاشق لمصر وللمصريين عرفه التاريخ.
عاشق لجوها، حره وبرده، عاشق لتاريخها قديمه وحديثه، عاشق لإبتسامة شعبها فى معظم المواقف، وصبره الطويل على المحن، لمقاهيها ونواديها، لأكلها.. الفول والطعمية والكشرى ولحمة الراس وباقى التشكيلة، ومحلات العصير على كل ناصية من نواصيها، ومشهد الجوامع جنب الكنايس، ومشاهد التناقض مثل مشهد المرسيدس بجوار الكارو فى الشوارع. وبائعى البطيخ على أبواب المساجد يوم الجمعة، ودفء الأهلوالأصدقاء والجيران، والبواب والمكوجى والحلاق، وكشك السجاير وكل شئ .. كل شئ دون إستثناء.
مصر .. هى بلد بمعنى الكلمة .. حتى إسمها يدل عليها، فمصر كما نعرف، معناها فى اللغة: "بلد".
بلد لايمكن مقارنتها بغيرها من البلاد، ليس فقط لأنها بلدى التى أعشقها، وإنما أشعر دائماً بهذا المعنى، بل تأكد لى أكثر وبالدليل، بعد زيارتى لبلاد كثيرة ومختلفة، وحياتى لسنوات فى بعضِ منها .. تأكد لى أن مصر هى أعظم كل بلاد الأرض رغم كل ما يميز غيرها عنها .. ورغم كل عيوبها.
كان خروجى من مصر منذ سنوات، لأسباب شخصية عائلية، ولم أكن قبل خروجى منها بأيام معدودة، أفكر فى السفر الطويل، والغياب الكثير عنها..
بل أننى أذكر تماماً، عند قرارى بالسفر منها، بأنى قد قررت لغيابى بألا يزيد عن فترة سنة أو سنتين على الأكثر، فدائماً ما أقول عن نفسى، وعن كل المصريين، بأننا كالسمك، يموت خارج الماء، ومصر هى الماء بالنسبة لنا.
لحظة وصولى مطار القاهرة الدولى فى النصف الأول من التسعينات، وتحديداً إلى المطار الأول (القديم)، أذكر أننى نظرت كثيراً للمسلة الفرعونية التى تقف عند مدخل المطار، وتأملتها للحظات، غبت فيهم عن الوعى لثوانى .. لا أدرى المبرر لذلك ولا أهميته لذكره الآن، لكنه مشهد لا يفارقنى أبداً رغم مرور السنين.
لم تكن تلك المرة هى المرة الأولى التى أسافر فيها. لم تكن عندى رهبة ركوب الطائرة للمرة الأولى، ولا كان عندى أو معى أى شئ أحمله يجعلنى أرتبك، لكنى كنت أرتجف يومها كما لم أرتجف فى حياتى.
كان يوم جمعة، وكان وقت صلاة الجمعة قد حان وأنا فى صالة المسافرين، فوجدت بعض الناس يصلون جماعة .. بدون خطبة .. أمام كافيتريا الصالة، فانضممت لهم .. وكان مشهداً ملفتاً لنظر الأجانب والعرب على حد سواء، فالتقطوا لنا الصور، كما إلتقطوها للأحذية التى وضعناها أمامنا بشكل جماعي كالمعتاد .. فقد كان شيئاً غريباً عليهم بالطبع، ففى أى مكان آخر، لا يمكن ترك المتعلقات الشخصية والأحذية بهذا الشكل وبدون حراسة.
جلست بجوار النافذة، محملقاً فى منظر المطار، يليه منظر القاهرة ككل، ثم حقول الدلتا الخضراء والشريط الفضى المتلألئ الذى يقسم البلد إلى شطرين، وهو بالطبع نهر النيل كما يبدو من أعلى فى الصباح .. ولم أقوى على دموعى التى تساقطت بشدة، وكأنى طفل صغير ضربه والده بقسوة، أو كشخص فقد أحد المقربين إليه.
ووصلنا إلى البحر، وخرجنا من المياه الإقليمية المصرية .. وإختفى منظر مصر.
فى الطائرة وأثناء الرحلة التى دامت بضعة ساعات، مر شريط حياتى كله أمام عينى، ولم أفهم السبب لذلك وقتها، كغيره من الأشياء التى لم ولا أفهمها بعد، لكنى اليوم أفسره بأنه نوع من الأحاسيس، مثل الحاسة السادسة والخامسة والرابعة، إحساس يكون بداخلنا، ينبئنا عما سيحدث لنا مستقبلاً دون أن يفصح تماماً عن نفسه، فبدلاً من أن يُرينا صورة المستقبل الذى ينتظرنا، يُرينا صورة الماضى، وكأنها مراجعة نهائية قبل التغيير القادم، لنحتفظ بتلك الصور التى يأتينا بها، فى ألبوم عقولنا طوال فترة غيابنا.
تذكرت كل شئ وقتها، بكل التفاصيل الدقيقة لكل حدث، وكنت أبتسم وأكشر وأظهر تعبيرات جامدة وكل أنواع الإنفعالات أثناء مرور هذا الشريط السينيمائى فى داخل عقلى.
من ضمن ما تذكرت، وأولهم، كانا وجها والدي ووالدتي رحمهما الله، أثناء وداعهما لي، والذى كان وداعهما الأخير دون أن أعلم.
كما تذكرت، زملائى وأصدقائى فى الجامعة، وكانوا مجموعة وخلطة نادرة، فكان منهم الفلسطينيين والسودانيين والسوريين إضافة للمصريين بطبيعة الحال، والملفت لنظرى الآن، أننا لم نتعامل فيما بيننا أبداً من خلال جنسياتنا، بل فقط من خلال أسمائنا وشخصياتنا. كما تذكرت ولا أدرى السبب أيضاً، إنتخابات إتحاد الطلبة، والجو السياسى الحقيقى الذى كنا نعيشه وقتها، وكم الوعي المنتشر بيننا على إختلاف أفكارنا وإتجهاتنا، شباب وشابات على حد سواء، وكيف كانت المظاهرات تنظم وكيف كانت تخرج للشوارع رغم الحظر ورغم مكتب الأمن فى كل كلية. تذكرت أحلامنا وطموحاتنا الشخصية والعامة. نوادرنا وطرائفنا، ومشاكلنا التى أضحك منها الآن.
تذكرت أيضاً إزدحام الشوارع فى وسط المدينة بسبب أعمال مترو الأنفاق، وكيف كنت أعانى ويعانى الجميع بسبب سوء تخطيط وإدارة أعمال التنفيذ.
إضافة لمشكلة التاكسيات، وركوب زبونين أو ثلاثة لنفس التاكسى فى وقت واحد، وبجاحة السائق فى طلبه من أحد الزبائن النزول قبل أن يصل لمكانه، كى يكمل هو مع الزبون الآخر لمكان آخر. والأوتوبيسات التى تدلى منها الركاب من أبوابها،وبعضهم من الشبابيك. والسيارات التى لا تحترم أى إشارة مرور .. والألعن .. وجود إشارات لا تعمل أصلاً.
تذكرت إنفعالي على أحد عساكر المرور يوماً لإعطائى مخالفة عن غير حق، ويتضح بعدها أنها كانت وسيلته لطلب رشوة ليلغيها فيما بعد، ورفضي لكلا البديلين وشجاري معه لذلك. وعودتى للمنزل بعدها، لأفكر فى وضعه المادى الصعب، وأن تلك هى وسيلته للوحيدة للحصول على لقمة العيش.
تذكرت هضبة الأهرامات، وولعي بالآثار والتاريخ بصفة عامة، وكيف كنت أجد لنفسى مخرجاً من مشاكلى أحياناً، بالصعود أربع أو خمس درجات على الهرم الأصغر من الناحية الغربية وقت الغروب متأملاً فى هذا المنظر المفتوح اللانهائى والمحدود فى وقت واحد بشكل يصعب فهمه.. لكنه مريح.
ونفس المخرج الذى كنت أجده لنفسى، لكن بجلوسى على نهر النيل فى أماكن متفرقة منه هذه المرة، حيث كان النيل كله ملكي .. كما كان ملكاً لكل الناس.
كانت ذكريات كثيرة جداً، توقف الزمن عندها بالنسبة لى، أى .. أن صورة مصر والقاهرة تحديداً، إستقرت عند تلك المشاهد، وظلت عالقة فى ذهني طوال فترة سفرى لسنوات .. كنت أعلم بأن هناك تغييرات تحدث، كنت متأكداً من هذه التغييرات وحتمية حدوثها .. لكن عقلي لم يشأ أن يزيح تلك الصور والمشاهد التى توقف عندها آخر مرة .... فكانت الصدمة كبيرة، بحجم السعادة البالغة .. لحظة العودة ..
فرياح التغيير قد أتت .. وعصفت بالكثير.
يتبع ..