Insignia identificativa de Facebook

Translate

لا لجمال مبارك



ديسمبر 2002


رغم إختلاف إتجاهاتنا السياسية، ومعتقداتنا الفكرية، إلا أننا نتفق جميعاً على سوء الحال الذى وصلت إليه بلادنا، والذى تجاوز تعبير السوء ووصل لحد الإنهيار، ونتفق جميعنا على ضرورة التغيير، ونتفق كذلك على أن المخطط المرسوم لنا والذى يسعون لتنفيذه رغماً عنا، هو أمر مرفوض مرفوض مرفوض ... مهما كانت الأسباب والمبررات.

لقد تجردنا جميعاً من الخلافات الشخصية، وإختلافات الرؤى، لنقف جميعاً فى خندق واحد دفاعاً عن مستقبلنا ومستقبل أبناءنا وبلادنا، وكى لانسمح لهم بالإستهانة بنا أكثر من ذلك، والإستخفاف بنا أكثر من ذلك، فكفاهم ما فعلوه بمصر، وبالقضية الفلسطينية، وبكل الأقطار العربية حتى الآن.

إننى أضم صوتى لصوت الجميع، مناشداً كل الأخوة فرداً فرداً، للمشاركة بفعالية فى حملة "لا لجمال مبارك"، ليتفاعل معها كل واحد، وكأنها خارجة منه، أى لينسى كل منا أنه يحتاج لقائد أو لموجه ليدله عما يجب عليه أن يفعل، وليتبنى هذا الموضوع بنفسه، فالقضية قضيته وليست لأحد غيره. ليعرف الحاكم أن هناك محكومين وأننا لسنا بحجارة صماء لاتسمع ولاتنطق، ليعرف أننا كائنات حية ولسنا جماد ساكن يفعل به مايشاء هو وأولاده.

إننا لا نعادى الحاكم ولا الحكومة، ولكن نريد تقويمها لما فيه خيرنا، هذا الخير الذى نسوه واكتفوا بالبحث عن خيرهم هم.

إننا كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام"فى رباط إلى يوم الدين" أى لا نسعى للفرقة، ولا نسعى لخراب، ولكن نسعى للوحدة وللإصلاح .. إصلاح ماقد خرب عن عمد أو عن جهل. وما يرمون لتحقيقه الآن إلا مزيداً من الخراب للبلاد، وإستغلالاً لبساطة الشعب وطيبته، لتحقيق مزيداً من السلطة ومن النفوذ الشخصى، وكأنهم قد ورثونا.

فإن إعتدلوا، فنحن معهم، وإن أصروا على ماهم فيه، فسنستمر على ما نحن فيه من فضح لهم ومقاومتهم بما ملكنا من أساليب.

إن كانت يد السلطة، وحساسيات حزب المعارضة "الوفد" .. قد منعت نشر رسائل تلك الحملة فى موقع الحزب المعارض، ومنعت ترك الناس من حتى القدرة على التعبير بالرأى، فلن يمنعونا عن التفكير ولا عن البوح بما نعتقد، سواء فرادى أو مجتمعين .. فلتنشروا ما تشاؤا وتبحثوا ما تشاؤا، وتدعوا لما تشاؤا .. لأننا لسنا بحزب يخشى ردع السلطة ولا بجماعة نخشى أن يحظرونا، بل نحن أفراد مستقلين تماماً وأحراراً تماماً .. ومصريين تماماً.

لـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــكن ..

ومع الحماس الشديد للحملة ..وبعد متابعة الكثير من المقالات والآراء حول موضوع التوريث وحملة لا لجمال مبارك، قعدت مع نفسى ساكت ومبلم أفكر معاها .. سألت نفسى وجاوبتنى، وإليكم الحوار الذى دار معها:

ـ عن أى شعب نتحدث؟

ـ الإجابة: عن شعب محصور بين حدى الجوع والموت منذ عقود. عن شعب لم يتعود المشاركة السياسية منذ بدء الخليقة، اللهم فى بعض المواقف التى اعتبرت تاريخية .. لندرتها. عن شعب قدرى بالدرجة الأولى، آمن دائماً بوصول الفيضان بعد الجفاف، والجفاف بعد الفيضان .. وهكذا دواليك، ودون تدخل شخصى منه. عن شعب تتجاوز فيه نسبة الأمية الثقافية (عموماً) أكثر بكثير من نصف تعداد سكانه. عن شعب لم يختار حاكمه أبداً. وحتى عندما أحب إخناتون .. تآمر من بالقصر عليه. (وأقصد إخناتون تحديداً، فلا يفسرها أحد بالسادات، شتان بين الشخصين). عن شعب مغيب تماماً بواسطة وسائل الإعلام، والمخدرات. عن شعب مكبوت بفعل قانون الطوارئ. عن شعب يخشى الإعلان عن دينه بالطريقة التى يحبها وإلا أعتبر إرهابياً. عن شعب يخشى المصارحة بيساريته وإلا إتهم بالشيوعية والإلحاد. عن شعب يخشى الحديث عن أفكاره الحرة، كى لايؤخذ بتهمة الجاسوسية والعمالة.

وسألت نفسى: ـ وما إمكانيات هذا الشعب، وما فرصه؟

ـ والإجابة: إمكانيات بالمنطق وبالحسابات الرياضية = معادلة ليس لها حل. إمكانيات إنفعالية وحماسية = هيصة وزيطة وزمبليطة لمدة كام يوم، ويا إما تنتهى على ولاحاجة، والناس تنسى بعد كام يوم .. يا إما تنسى برضه بس بعد مايتبهدلوا كثير فى السجون .. مشكلـــــــــــــة!

ـ طيب والحل؟ ـ ننضم لحزب نستخبى جواه زى ما بيفكر البعض؟

ـ ياريت، هو كان أكبر حزب معارض نفع نفسه؟ .. ما إحنا شوفنا اللى فيها، قالوله: بخ .. وقع من طوله، ورمى الفوطة البيضا.

ـ طيب نعمل إحنا حزب؟

ـ ياريت، ماكانش ينعز، حزب الوسط من 5 سنين منتظر .. وحيفضل منتظر إلى ماشاء الله، وإسمه حزب، من ناس لحم وشحم موجودة قدام عين الحكومة، وعارفين عنهم كل حاجة وأنهم فى السليم. فمن نحن ياترى لنعمل حزب والا تنظيم؟ إحنا حيالله شوية أسامى بترغى عبر الأثير وما حدش يعرفها .. من قال إن أنت إسمك هشام؟ إثبت .. والا مثلاً حد فى الدنيا يبقى إسمه عنكبوت والا الشبح والا بطيخة؟ .. يالله مش مهم، أهو كل واحد وظروفه، ومش موضوعنا .. بس من أول شروط تكوين الحزب؛ أن يكون الشخص كامل للأهلية، وعلشان يكون كامل لها، لازم أولاً نعرف ونتأكد هو مين .. ومن وراء الشاشة اللذيذة اللى إحنا وراها، ماينفعش.

أنا: ـ طيب بلاها الحزب، إحنا نخلينا فى الرسائل الإلكترونية، والمنتديات، وأهى جايز تضرب معانا، وتنفع وتجيب نتيجة، مين عارف، يوضع سره فى أضعف خلقه (الإلكترون طبعاً)، وبرضه العيار اللى مايصبش يدوش، ويا مسهل.

نفسى: ـ أهو ديه ممكن، لكن برضه مش مضمونة علطول، لو زودتم العيار حيضربوكوا بواحد هاك جو/جو معتبر يدمركوا واحد ورا التانى إن شاء الله ..، بس ما تقاطعش إنت بس.

ـ طيب والحل .. فى عرض النبى نفسى أعرف الحل؟ حأتخنق من اللى شايفه بيحصل فى البلد ..

ـ 1/ الأمر الواقع أن فيه حملة الكترونية بدأت بالفعل، كويس. ضرورى إستغلالها، ضرورى الإستمرار فيها، وبشدة، ضرورى تكثيف عملية البريد الإلكترونى، بحيث لا يمر يوم دون أن يتسلم كل من يقرأ العربية رسالة جديدة.

2/ الرسائل لازم تكون قصيرة جداً، حتى ولو جملة واحدة لا أكثر، أو صورة دون تعليق، كى لا يمل الناس من القراءة.

3/ لايجب التركيز على عناوين المصريين فقط، باقى العرب أيضاً لابد أن يتسلموها، فهم سينقلوها للمصرين من معارفهم، أو سينشروها فى مواقعهم أو منتديات لا نعرفها.

4/ بعد إرسال تلك الرسائل التلغرافية لمدة أسبوع مثلاً، يتم إرسال رسالة مطولة، فقد حدث لدى المتلقى التشويق اللازم لمعرفة من وراء تلك الرساثل (الشيقة) التى يتسلمها يومياً.

5/ يستمر الحال دون توقف إلى إشعار آخر.

6/ الكتابة فى كل المنتديات المعروفة، ونشر الدعوة أمر جيد، لكن يجب أن يكون هناك منتدى أساسى، قاعدة للتجمع والإنطلاق، حيث تتم مناقشة الأفكار الأساسية وعرض التفاصيل لمن يرغب فى الإطلاع عليها. ماذا وإلا، سيحدث تشتيت غير محمود.

7/ لابد من معرفة أن الشعب المصرى بأكمله، أو .. لنقل فى غالبيته العظمى، لايثق فى أى حزب سياسى قائم اليوم. فهى أحزاب أثبتت بجدارة فائقة تحسد عليها، فشلها الذريع. فالتفكير فى الإنطواء تحت لواء أى حزب لأخذه كحماية لأفكارنا وخططنا، سيؤدى لقتل حماس الناس، إضافة إلى أن قصور الكثيرين فى التفكير، سيمنع الليبرالى من الإنضمام لحزب شيوعى، وسيمنع الشيوعى من الإنضمام لحزب إسلامى، والرجعى من الإنضمام للوحدوى، وهكذا، تفقد القضية وحملتها أنصارها، بسبب الشكليات.

8/ وبما أننا مقتنعون بشبه إستحالة تكوين حزب جديد لنا، وبأننا دون أى صفة رسمية، لن نؤثر فى الشعب بما يجب، فالحل البديل والوحيد هنا، هو العمل على توحيد الأحزاب وتجميعها، كى يتفقوا جميعاً (وقد فعلوها مرة من قبل). أى يجب أن نصل مباشرةً إلى قيادات تلك الأحزاب، وأن نعرض عليهم تفصيلياً كل مقترحاتنا وآراءنا، ورغبتنا فى إتحادهم لمصلحة البلد والأمة، على نقاط بيان يوجه للشعب .. وبيان آخر يوجه للرياسة.

9/ الأحزاب متحدة من جهة، ومستخدمى انترنت من جهة أخرى، وطلاب الجامعة وأهاليهم من عمال المصانع والفلاحين .. ونسيبنا من الموظفين (قطاع عام وخاص) علشان دول خلاص واخدين على عيشتهم .. نضمن أن بوصول شهر فبراير، نكون عملنا حاجة إن شاء الله ...

10/ طرح أحدهم فكرة عن تنظيم أنفسنا، وهى فكرة جيدة، ولكن ليست لهذه المرحلة. ففى هذه المرحلة، قوتنا ومصداقيتنا تأتى من فرديتنا وعدم إنضمامنا لأى تنظيم. لأن أى تنظيم من أى نوع، سيسهل من تلفيق التهم، وسيبث الخوف فى عقول وقلوب الناس. خلينا كدة أحسن دلوقت. ضرورى نعرف مستلزمات كل مرحلة. والمرحلة الحالية، هى مرحلة لاتحتاج لأى تنظيم من هذا النوع، يكفى أن نتفق فيما بيننا وعلى الهواء وعلى الملأ، فهذا يؤكد للعالم كله مصداقيتنا. والا إيــــه؟

11/إضافتكم لما سبق سيكون شئ مفيد، أما الإنقاص، فأخشى أنه سيضرب كل ما نحاول عمله.

ودمتم ..


1ـ تاريخ الموسيقى


ديسمبر 2002


تختلف الناس فى أذواقها، لكن الجميع يطرب للموسيقى. حتى أنه قيل أن من لم يهزه العود وأوتاره، هو عديم الحس لا رجاء فيه. وقيل من ضمن ما قيل أن الموسيقى هى غذاء الروح.

وعندما قسموا الفنون وصنفوها، إتفق الجميع على أن الموسيقى هى الفن الأول بلا منازع.

وفى لقاء إذاعى مع الموسيقار محمد عبد الوهاب، إستشهد بالقرآن الكريم، حين قال أن الخالق سبحانه وتعالى، قدم السمع على البصر فى الآية الكريمة، لكون السمع هو أول حاسة يدركها الإنسان وتؤثر فيه، ومن هنا تأتى قيمة الموسيقى وتأثيرها عليه.

ومن شدة تأثير الموسيقى، وصل بعض الأصوليين لحد القول بتحريمها، مستشهدين ببعض الأحاديث النبوية الشريفة (وإن لم يتفق تماماً عليها) وأن حتى الرسول عليه الصلاة والسلام، تشتت تركيزه ذات مرة وهو يصلى، لسماعه صوت آلة تشبه الناى.

من كل هذا وغيره، فكرت أن نتعرف معاً على الموسيقى، وبخاصة، الموسيقى الكلاسيكية العالمية، وقوالبها المختلفة، خاصةً، بعد أن لاحظت أن كثيرين من الناس، وليس فقط نحن؛ ذو الثقافة والأذن الشرقية، يجهلون الكثير عن هذا النوع من الموسيقى، والذى يعتبر أساساً لكل مانسمعه فى أيامنا هذه. وقد يعتقد البعض، أن موسيقانا المعروفة بإسم الموسيقى الشرقية، لا تمت بصلة للموسيقى الكلاسيكية العالمية، ولكن هذا ليس صحيح، على الرغم من إختلاف النوتة الشرقية نوعاً ما عن الغربية، فكلاهما يتبع تقريباً نفس الأصول، والإختلاف بينهما أساساً يكون فى الإيقاع، وفى أسماء النغمات. لكن الأصول واحدة، وتزيد عليها موسيقانا الشرقية ببعض النغمات الإضافية التى لا توجد فى الموسيقى الغربية.

فى الموسيقى الكلاسيكية .. نسمع عن أسماء مثل الكونشرتو، والسيمفونية، والسوناتا، والأوبرا، والباليه، وغيرهم من الأسماء. وهذه كلها أسماء قوالب. كما نسمع عن موسيقى عصر النهضة، وموسيقى الباروك، والموسيقى الكلاسيكية، وأسماء أخرى غيرها، وهى أسماء لعصور مختلفة، إختلفت فيها أساليب وضع الألحان، وتوزيعها على آلات الأوركسترا. كما نسمع عن أسماء لملحنين مثل بيتهوفن وباخ وتشايكوفسكى وفردى، والعديد العديد من الأسماء، وهى أسماء عاشت حتى يومنا هذا، بفضل نبوغ أصحابها وشدة أحاسيسهم التى ظهرت فى ألحانهم بوضوح، وكل منهم كانت له سمات مميزة وشخصية مستقلة، تجعل المستمع يتعرف على المؤلف فور سماعه اللحن دون عناء، وليس كما نسمع اليوم من مطربينا وموسيقينا الموجودين على الساحة حالياً، الذين تتشابه أغانيهم لدرجة كبيرة، ويصعب التفريق بينهم بكل أسف.

ونبتدى الحكاية ..

صلى على النبى .. كان ياما كان، فى سالف العصر والأوان، كان فيه زمان ....

(موسيقى تصويرية لزوم الفلاش باك ومصاحبة لصوت الراوى)

عرف الإنسان الموسيقى منذ بدء الخليقة عن طريق الأصوات المحيطة به، من صوت رياح إلى صوت الماء إلى صوت حركة أوراق الشجر، إلى أصوات الحيوانات إلى آخره. بدأ فى إكتشاف قدرته على تقليد تلك الأصوات، سواء بصوته هو نفسه أو من خلال الطرق على بعض الأشياء. ثم بدأ فى تطويرها، وتكييفها حسب إحتياجه وحسب قدرته تدريجياً، إلى أن أتى الفراعنة بحضارتهم وإمكاناتهم الكبيرة، وصمموا بعض الآلات التى تعد أساساً لمعظم الآلات الموسيقية المعروفة حالياً.

لم يترك الفراعنة نوت موسيقية أو موسيقى مسجلة لنعرف من خلالهما كيف كانت موسيقاهم، لكن يمكن تخيلها من خلال رسومات الآلات المستخدمة، ورسومات الرقصات التى سجلوها على جدرانهم. وقد يتعجب البعض لهذا القول بطبيعة الحال .. لأن تخيل الموسيقى من مجرد النظر إلى لوحة مرسومة، هو أمر صعب. لكن المتخصصين ـ وأقصد بهم المؤرخين والباحثين الموسيقيين ـ لهم وسائلهم إضافة لما يتمتعون به من نظرة خاصة تختلف عن نظرة الناس العادية. فهم يعرفون مثلاً، أن اللحن الفولانى، والذى يصاحبه إيقاع علانى، تكون رقصته شكلها كذا، وحركات الراقصين عليه كذا. ويوجد علم إسمه الرقص الإيقاعى، والحركات الإيقاعية ـ لا علاقة لهما طبعاً بالرقص البلدى ـ وبهذا العلم، المحسوبة خطواته بدقة، (مثل رقص الباليه)، يمكن تخيل الموسيقى حتى دون أن نسمعها.

مثلاً .. لو وضعنا شريط فيديو لرقصة باليه، دون أن نضع الصوت، وبمعرفة بسيطة عن فن الباليه، يمكننا التعرف على العمل وعلى القصة.إضافة إلى ذلك؛ فالمؤرخين الموسيقيين، يضعون فى إعتباراتهم الجو الحضارى العام المصاحب، ويدرسون أقدم النوت الموسيقية المتوفرة لديهم، من موسيقى البلد (مصر)، ومن الآلات المرسومة، وحركات الراقصين والراقصات المرسومة، والبيئة المحيطة، والنوت المتوفرة، فيستطيعوا فى النهاية تخيل تلك الموسيقى لذاك العصر. وبالطبع فالنتيجة ليست صحيحة مائة بالمائة، لكنها مقبولة. لذلك سنجد أن كل من وضعوا موسيقى تصويرية للأفلام التى تتعرض لفترات العصر الفرعونى، قد وضعوا موسيقى متشابهة، وتوحى جميعها للمستمع بتلك الفترة.

المهم ..

إنتقلت تلك الآلات منهم إلى كل بقاع العالم، وإمتزجت مع غيرها من الآلات التى وجدت فى تلك البقاع آنذاك، وطور أهل كل منطقة آلته حسبما تراءى لهم، إلى أن إستقرت الآلات على الشكل المعروف حالياً.

وقد سخر فنانو كل منطقة آلاتهم تلك، لإفراز الموسيقى التى تعبر عنهم وعن بيئتهم. ومن هنا نجد الفروق بين موسيقى الشعوب، على الرغم من التشابه الكبير فى الآلات المستخدمة. ولا يعرف الكثير عن الألحان الموسيقية الغربية (محور قصتنا) فى كل العصور وحتى القرن الحادى عشر الميلادى، حيث عُثِرَ على بعض النوت الموسيقية القديمة، ونبذات مقتضبة عن بعض الموسيقيين. ونفس الشئ بالنسبة للموسيقى العربية، وإن كان الحال أفضل قليلاً بالنسبة لبعض أسماء الموسيقيين العرب من أمثال "زرياب" المصري الأصل (أعتقد ولست متأكداً، انه كان فى القرن الثامن أو التاسع الميلادى)، والذى فر هارباً إلى الأندلس، حيث طور آلة العود بإضافة وتر سادس له، وجعل منه آلة جديدة هى الجيتار المعروف حالياً .. وللعلم .. النطق الصحيح للجيتار بلغته الأصلية وهى الأسبانية هو: "الجيتارة"، وهو تحريف لكلمة "القيثارة" العربية المعروفة، وهى أصل الآلة كما نعرف.

وعلى ذلك، فتأريخ الموسيقى، يبدأ عادةً من القرن الحادى عشر، وعليه العوض فيما سبقه.


إستراحة ..

روح يابنى، ربنا يسهلك


سبتمبر 2002


تائه فى أحد أحياء القاهرة الراقية، يبحث عن عنوان ولا يجده.
فبعد أن دار أكثر من مرة حول نفس المكان دون فائدة، وبعد أن سأل أكثر من شخص من المارة، علهم يفيدونه، وكلهم دون إستثناء فى الحقيقة؛ كانوا من الشهامة والكرم، بحيث أفتى كل منهم بما لديه، وأدلى كل منهم بدلوه، الذى تناقض تماماً مع دلو وفتوى سابقيه .. كانت النتيجة هى تلك الحالة من توهان صاحبنا قائد السيارة. فما كان منه فى آخر المطاف إلا أن تقدم بسيارته بمنتهى الشجاعة والإقدام .. والتفاؤل .. صوب أحد رجال المرور الواقفين فى ذلك الميدان ..

والحق، أنه رآه منذ البداية، لكنه لم يفكر مطلقاً فى سؤاله عن العنوان المطلوب، لعلمه من تجاربه السابقة، أن هؤلاء "العساكر"، ليسوا سوى عينة منتقاة بعناية بواسطة أجهزة الأمن، من وسط الحقول والأطراف النائية عن أى عمران، لا يقرأون ولا يكتبون، لا يرون ولا يسمعون ولا يتكلمون .. لا يفهمون .. فقط ينفذون .. أوامر الباشا المجند أمين الشرطة ومن فوقه من رُتب أعلى. كان يعلم تمام العلم مسبقاً، أن هؤلاء المساكين المنقوحين فى صهد الشمس أو فى صقيع البرد طوال اليوم وطوال الليل، لا يعلمون ولا حتى يستوعبون، لماذا هم فى هذا المكان، ولا ما هو دورهم ووظيفتهم .. أمروهم بالوقوف فوقفوا، ولن يستريحوا حتى تأتى الشاحنة التى أتت بهم لتستبدلهم بغيرهم ويركبوها هم ليعودوا إلى عنابرهم وينامون .. بالأمر ..

لكن المارة أيئسوه، وهو يحتاج الوصول إلى عنوانه المفقود، ولا توجد فى البلد كلها خريطة تفصيلية دقيقة للشوارع ولا للأحياء يمكنه الإعتماد عليها وتوفير وقته ورحمته من سؤال الناس وفتاواهم الفهلوية .. إذا لا يوجد أمامه سوى "العسكور" المسكين ليسأله، عل وعسى، ويوضع سره فى أضعف خلقه كما يقول المثل الشعبى ..

تقدم بسيارته نحوه، حيث كان متخشباً كخيال المآته على إحدى نواصى الميدان .. أوقف سيارته على جانب الرصيف، ومن داخلها مبتسماً ومتأدباً، ألقى السلام على العسكور أولاً .. فلا يرد عليه السلام!! يسلم عليه مرة أخرى، فيرد العسكرى ببرود غير مألوف من تلك العينة من المجندين المُستَخدَمين فى شرطة المرور: وعليكم السلام، شيل العربية سيادتك منها، كده مخالفة.

ينظر له والإبتسامة لازالت على وجهه بعد أن تجمدت عليه، ويقول له: ماشى، حأشيلها حالاً، بس لو سمحت العنوان ده فين؟
يُظهِر العسكرى ورقة "مكرمشة" و"عرقانة" كانت فى يده، ويبدأ فى تسجيل رقم السيارة ..

إنت بتعمل إيه؟؟؟؟
سأله بإستغراب وبغضب فى آن واحد .. فهو تصرف غير متوقع على الإطلاق، وغير منطقى.
فأجابه بنفس البرود: مخالفة يا باشا .. العربية واقفة فى الممنوع.
تسمر صاحبنا فى مكانه لا يعرف ماذا يفعل .. لم تخرج من فمه سوى كلمة تعجب واحدة لما سمعه: نعـــــــــــــــم !!
اقترب العسكور منه، وابتسم لأول مرة، وقاله: ما تخافش يا باشا، هات إنت بس حق الشاى وأنا حأشيلهالك.

فما كان منه إلا أن رمى الشرطى (العسكور) بنظرة إرتعدت لها فرائسه، ثم خرج مندفعاً من سيارته، ليأخذ بياقة بذته العسكرية البيضاء، التى يسبح بجسده النحيل داخلها، وتبدو وكأنها بذة أخوه الأكبر، أعارها له ليؤدى بها ساعات النبطشية. دفعه أمامه وهو مازال يرميه بنفس النظرة، حتى لصقه فى حائط أحدى العمارات، والعسكور فى حالة من الذهول، لا يدرى ما جرمه، ولا ماذا إرتكب، إنها طبيعة عمله والعُرف والعادة التى تعود عليهما منذ أخذوه من قريته ليقف فى ميادين وشوارع القاهرة، وهو على هذه الحالة التى يظن أنه سيبقى عليها حتى يتم السنوات الثلاثة المحكوم عليه بهم فى هذه الخدمة.

نظر إليه، وشاهد نظرة الخوف فى عينيه، إختلط عليه الأمر، هل يصفعه؟ هل يلكمه بقبضته التى كانت قد تكورت وعلى أهبة الإستعداد؟ هل يسبه؟ هل وهل ..؟

لكنه، فى النهاية ترك ياقة بذته.. وتغيرت نظرته، تحولت إلى نظرة شفقة، إختلط عليه الأمر؛ أيهما الضحية وأيهما الجانى؟ تركه .. فقط قال جملة واحدة:
"روح يابنى، ربنا يسهلك".